كما في قوله تعالى (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ)(١) فإن اللباس نقل لما يلابس الإنسان من الأوجاع فلعمومه البدن شبه باللباس فكان استعارة تصريحية ومن حيث إن تلك الأوجاع فيها أذى شبهت بشيء مر يذاق فأضمر التشبيه في النفس استعارة بالكناية ، وذكر الإذاقة تخييل ، وعلى هذا يكون اجتماع التصريحية بالمكنى عنها أقوى من اجتماع التحقيقية والتخييلية ؛ لأن الحمل على إحداهما ينافي الحمل على الأخرى بخلاف التصريحية والمكنى عنها كما في المثال تأمله.
(وفسر) السكاكي الاستعارة (التحقيقية بما مر) أي : بالاستعارة التي هي لفظ المشبه ينقل للمشبه المتروك لفظه والحال أن معنى المستعار له متحقق حسا كرأيت الأسد في الحمام ، أو متحقق عقلا كوقع في قلبي نور أضاءت به أرجاء الحواس ، فإن المنقول إليه لفظ الأسد وهو الرجل الشجاع محسوس ، والمنقول إليه لفظ النور وهو العلم معقول محقق وذلك ظاهر.
(وعد) السكاكي (التمثيل) أي : الاستعارة التمثيلية ، وقد تقدم أنها تسمى التمثيل على سبيل الاستعارة وذلك كما في قوله أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى ، فإنه تقدم أنه يستعار مجموعه لحال المتردد في أمر وقد تقدم بيان ذلك.
(منها) أي : عد التمثيل من الاستعارة التحقيقية وذلك أنه لما ذكر القسم الذي هو الاستعارة المصرح بها للتحقيقية على سبيل القطع بناء على ما ذكر من أن ثم قسما من التصريحية ليس هو على سبيل القطع قال ومن الأمثلة يعنى من أمثلة التحقيقية على سبيل القطع استعارة وصف إحدى صورتين منتزعتين من أمور لوصف صورة أخرى ، وعنى بالوصف الأول اللفظ ؛ لأنه هو المستعار وبه تتعلق الاستعارة وعنى بالوصف الثاني البيان ؛ لأن الوصف يطلق عليه وهو المناسب هنا ، والتقدير ومن الأمثلة استعارة لفظ إحدى صورتين منتزعتين من أمور لبيان صورة أخرى ومن المعلوم أن الأولى أن يقول لبيان الصورة الأخرى بالتعريف ؛ لأن التنكير يوهم أن المستعار لها غير إحدى الصورتين المنتزعتين
__________________
(١) النحل : ١١٢.