لاستيفاء أقسام مطلق المجاز حيث أريد إجراء التقسيم على أصله الممكن إذ لا وجه للعدول عنه ولا يضر في ذلك تعريف ذلك المجاز اللغوي بالكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ، لأن التعريف قصد به ما ينصرف له اللفظ عند الإطلاق كثيرا ، وإلا فالمجاز اللغوي لنا أن نطلقه على ما يعم الحكمي والإفرادي والتركيبى والإسنادي ، لأن ذلك كله مجاز وأصله اللغة إذ فيها اعتبر لا العقل المحض ، وإذا تقرر ما ذكر لم يرد البحث ، لأن المجاز المتضمن للفائدة لا تستوفى أقسامه ، والاستيفاء مطلوب في أصل التقسيم إلا إذا قسم إلى مطلق الاستعارة الشاملة للإفرادية والتركيبية لا إلى الاستعارة المخصوصة بالمفرد ، حتى يرد البحث إذ لو لم يرد مطلق الاستعارة اختل التقسيم إذ هي قسمة الأخص إلى معناه وغيره وهو فاسد مع أن أصل التقسيم يأبى التخصيص. فتحصل من هذا أن الجواب بأحد أمرين إما أن يلتزم أن المراد بالمجاز المتضمن للفائدة الراجع إلى معنى الكلمة هو المجاز المفرد فتجعل الاستعارة مرادا بها مطلق بناء على أنه قد يعبر عن قسم الشيء بما يكون بينه وبين المقسم عموم من وجه وهو الجواب الأول أو نجعل المراد به مطلق المجاز ، كما هو صريح عبارة المفتاح فيجعل التقسيم على أصله من الاستيفاء فيلزم أن يراد بالمجاز المتضمن للفائدة ما يعم المركب فيكون تقسيم الاستعارة إلى التمثيل المركب وغيره لا ينافيه فافهم والله الموفق بمنه وكرمه.
وقد أجيب عن هذا البحث بأجوبة أخرى : أحدها : أن المراد بالكلمة في تعريف المجاز اللفظ الشامل للمفرد والمركب نحو (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا)(١) أي : كلامه ، وإذا أريد اللفظ دخلت الاستعارة التمثيلية في التقسيم ، ورد بأن إطلاق الكلمة على اللفظ من إطلاق الأخص في عرف العربية على الأعم وهو مجاز يحتاج إلى قرينة ولا قرينة.
ثانيها : أنا لا نسلم أن التمثيل يستلزم التركيب بل هو استعارة مبنية على التشبيه التمثيلي فحيثما صح ذلك التشبيه صحت الاستعارة التمثيلية لانبنائها عليه ؛ إذ لا يمنع من
__________________
(١) التوبة : ٤٠.