عنها إلا ما سماه تخييلا ، وإنما أفاده ولو لم تكن هنا صيغة حصر ؛ لأنه معلوم من مذهبه أنه لا قرينة لها إلا التخييل حيث قال لا تنفك المكنى عنها عن التخييلية فتقرر بذلك ما يتمهد به الاعتراض عليه الآتي وهو أن المكنية لا تنفك عن التخييلية في مذهبه لما هو ضروري من أن إضافة ما هو من خواص المشبه به في الأصل لا بد منه ؛ ليكون قرينة ، والقرينة المذكورة ليست عنده إلا تخييلية حيث قرر أنه لا توجد المكنى عنها بدون التخييلية بخلاف العكس وهو انفكاك التخييلية عن المكنى عنها لما تقدم أن كلامه يقتضي صحته ، وإنما قلنا : لا تنفك في مذهبه لما تقدم أنها تنفك على مذهب السلف كما قرر عن الزمخشري اللهم إلا أن تعلق التخييلية عندهم على ما يدل على المكنى عنها في الجملة ، ولو كان مجازا حقيقيا فيصح أنها لا تنفك عندهم أيضا فتأمله.
وهذا أيضا إنما هو مؤاخذة له ببعض كلامه وإلا فقد صرح بما يقتضي وجود المكنى عنها بدون التخييلية ويأتي التنبيه عليه (ورد) ما ذكره السكاكي من تفسير الاستعارة المكنى عنها وهو أن يطلق لفظ المشبه ويراد به الطرف الآخر الذي هو المشبه به (ب) بما يؤخذ من كلامه الأخير وهو (أن لفظ المشبه) الكائن (فيها) أي : في الاستعارة بالكناية كلفظ المنية في قول الهذلي : وإذا المنية أنشبت أظفارها (مستعمل فيما) أي : في المعنى الذي (وضع له تحقيقا) وهو الموت الحقيقي وهذا مما يقطع به ، فإن السكاكي بنفسه قال المراد بالمنية ـ فيما ذكر ـ الموت بادعاء السبعية لها ، فقد اعترف بأن المراد في نفس الأمر الموت وأما ما ذكر من ادعاء السبعية لها فلا يخرجها عن معناها الحقيقي على ما يأتي تحقيقه.
وجعل لفظ المشبه مظروفا للاستعارة التي هي لفظ المشبه أيضا كما اقتضاه كلامه باعتبار أنه أعم من الاستعارة بالكناية وإن كان مصدوقهما متحدا في المعنى المراد ، وكون الأخص ظرفا للأعم صحيح على وجه التوسع كما يقال الحيوان في الإنسان (و) إذا كان المراد بالمنية ـ في نحو المثال ـ الموت ؛ فلا تكون المنية فيه استعارة على مذهبه إذ (الاستعارة) على مذهبه (ليست كذلك) أي : لا يصح أن تكون لفظ أطلق على معناه الأصلي ، وإنما يصح ؛ لأنه فسرها بأن يذكر لفظ أحد طرفي التشبيه ويراد به معنى الطرف الآخر ، لا يقال : قد تقدم في بيان كلامه حيث فسر الاستعارة أن المراد أن يذكر لفظ أحد الطرفين ويراد معنى الآخر حقيقة أو ادعاء فلا يرد هذا البحث على السكاكي أصلا ؛ لأنا نقول فسرنا ما تقدم بذلك رعاية للواقع في نفس الأمر ، وإلا فعبارته صريحة في إرادة نفس الطرف الآخر ؛