وأوقعت الاستعارة بعد رعاية تلك الجهات حصل حسن الاستعارة وإلا فات حسنها بفوات حسن أصلها وهو التشبيه وتلك الجهات مثل أن يكون وجه الشبه شاملا للطرفين معا ، وأما إن وجد في أحدهما دون الآخر فات الحسن كاستعارة اسم الأسد للجبان من غير قصد التهكم بعد تقدير تشبيهه به ولكن هذا الوجه إنما هو من شروط الصحة لا من شروط الحسن ، إذ لا تشبيه مع انتفاء الجامع فالأولى إسقاطه في هذا المحل ، والجواب عن ذلك بأن المراد الشمول الحسي إذ هو الشرط في الحسن ، وأما الذي يكون شرطا للصحة فمطلق الشمول الصادق بالادعائي لا وجه له ؛ لأن الشمول الادعائي إن كان مقبولا كما في التهكم فإنما قبل لكونه في حكم الحسي من شروط الحسن مع أن الصحة إنما هي باعتباره؟! ومثل أن يكون التشبيه وافيا بإفادة الغرض المقصود منه كما إذا كان الغرض تزيين وجه أسود فيشبه بمقلة الظبى ثم يستعار له لفظ المقلة فهذا واف بالغرض ، ولو شبه لإفادة ذلك الغرض بالغراب أو القدر الكثيرة الاستعمال أو السلحة الجامدة قد نقرتها الديكة أو نحو ذلك ، ثم استعير واحد من هذه الألفاظ فات الحسن وكذا نحو ذلك مثل كون الوجه غير مبتذل بأن يكون غريبا لطيفا لكثرة التفصيل أو لندرة الحضور كتشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل ، وتشبيه البنفسج بأوائل النار في أطراف كبريت ، ثم يستعار واحد منهما لما شبه به بخلاف تشبيه الوجه بالشمس ثم تستعار له ، وتشبيه الشجاع بالأسد ثم يستعار له فإن ذلك مما فات فيه الحسن لفوات حسن التشبيه فيه ؛ لعدم الغرابة لوجود الابتذال ثم أشار إلى الأمر الثاني الذي به تحسن الاستعارة عاطفا له على الأول بقوله (وأن لا يشم) أي : حسن كل من التحقيقية والتمثيل حاصل بما تقدم.
وبأن لا يشم في الاستعارتين (رائحته) أي : رائحة التشبيه (لفظا) أي لم يلم لفظ التركيب الذي فيه الاستعارة بشيء من التشبيه بمعنى أنه لا رائحة من جهة اللفظ فلفظا تمييز محول عن المضاف إليه تقديره أن لا تشم رائحة لفظ التشبيه إما الوجه أو المشبه أو الأداة