ويحتمل أن يكون منصوبا بإسقاط الخافض أي : أن لا يشم رائحة التشبيه بلفظ يدل عليه وإنما قال لفظا ؛ لأن رائحة التشبيه موجودة بالقرينة في معنى الاستعارة إذ هي لفظ أطلق على المشبه بمعونة القرينة بعد نقله عن المشبه به بواسطة المبالغة في التشبيه ، فلا يمكن نفي إشمام الرائحة ولو معنى وعبر بالإشمام إيماء إلى أن شرط الحسن هو انتفاء الإشمام الذي حده أن لا يخرج به الكلام عن الاستعارة ، كما في قوله :
قد زر أزراره على القمر
فإنه ولو ذكر فيه ضمير المشبه ليس على وجه ينبئ عن التشبيه وقد تقدم ما فيه فيفت الحسن لا الصحة وأما انتفاء ما ليس في هذا الحد وهو الذي يخرج الكلام عن الاستعارة فهو شرط الصحة لأنه تشبيه إما ضمنا كما في قوله تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(١) فإن من الفجر هو المشبه بالخيط فهو ولو لم يكن على صورة التشبيه لكن لما فسر به الخيط الأبيض كان من التشبيه ؛ لأنه بين الأصل المراد فهو في تقدير من الفجر الذي شبه بالخيط الأبيض ، وإما صريحا كهذا أسد في الشجاعة ويجري مجراه رأيت أسدا في الشجاعة لأن ذكر الوجه ينبئ عن التشبيه ويهدي التركيب إليه بخلاف زر أزراره على القمر كما تقدم ، وإنما شرط في حسن الاستعارة أن لا يشم رائحة التشبيه كما فى قوله : زر أزراره على القمر ؛ لأن إشمام رائحته يبطل كمال الغرض من الاستعارة ، ومعلوم أن كمال الغرض من إيجاد الشيء هو حسنه ، ونقصانه قبحه في الجملة وإنما أبطل كمال الغرض ؛ لأنه أعني الغرض من الاستعارة إظهار المبالغة في التشبيه ويحصل ذلك الإظهار بادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به وادعاء أنهما مشتركان في الحقيقة الجامعة لهما ، وأن اللفظ موضوع لتلك الحقيقة إلا أن أحد الفردين متعارف والآخر غير متعارف ومقتضى هذا الغرض استواؤهما في ذلك الجامع الذي هو ثمرة ذلك المجعول كالحقيقة الجامعة ؛ لأن استواء الأفراد في الحقيقة هو الأصل ولا شك أن إشمام رائحة التشبيه
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.