فيه إشعار ما بأصل التشبيه والإشعار بأصله يتضمن الإيماء إلى ما علم من الأصل في التشبيه والكثير فيه وهو كون المشبه به أقوى من المشبه في الجامع وكونه أقوى ينافي الاستواء فيه الذي هو مقتضى الغرض ومضمنه ، وإنما قلنا : ينافي كمال الغرض ؛ لأنه لو كان منافيا لأصل الغرض بأن لا تفهم المبالغة على الوجه المذكور لانتفت الاستعارة وعاد الكلام تشبيها فإن قيل التجريد فيه إشمام الرائحة فيلزم قبح الاستعارة معه قلت كأنهم خصوا الإشمام بذكر المشبه ، أو الوجه لا على وجه التشبيه ، ويحتمل أن يقال بالقبح في التجريد حيث كان فيه الإيماء إلى المشبه ويؤيده أن الترشيح أبلغ منه والله أعلم.
ثم أشار إلى ما يتعلق بهذا الحسن فقال : (ولذلك) أي : ولأجل ما قلنا من أن شروط الحسن في الاستعارة أن لا يشم رائحة التشبيه لفظا ، أي : وبسبب ذلك (يوصي) من جهة البلغاء عند تحقق حسن الاستعارة بوجود هذا الشرط (أن يكون التشبيه) أي : ما به المشابهة وهو وجه الشبه (بين الطرفين جليا) بنفسه ؛ لكونه يرى مثلا كما في تشبيه الثريا بعنقود الملاحية ، أو بواسطة عرف كما في تشبيه زيد مثلا بإنسان عريض القفا في البلادة ، فإن العرف حاكم بأن عرض القفا معه البلادة ، وكما في تشبيه الرجل بالأسد في الشجاعة فإن وصف الجراءة ظاهر في الأسد عرفا أو بواسطة اصطلاح خاص ، كما في تشبيه النائب عن الفاعل في العمدية وحصول الفائدة بالفاعل في حكم الرفع فإن الرفع في الفاعل ظاهر في اصطلاح النحو ، فيشبه به عند ما يحتاج المعلم إلى التشبيه به مثلا ، وإنما يوصي بكون وجه الشبه جليا في الاستعارة التي فيها عدم إشمام رائحة التشبيه (لئلا يصير) تلك الاستعارة (إلغازا) بكسر الهمزة لأنه مصدر ألغز في كلامه إذا عمى مراده وأخفاه فإلغازا مصدر أطلق على المفعول أو هو على إسقاط المضاف أي : ذات إلغاز ، ومنه اللغز بضم اللام وفتح الغين ، وهو المعنى الملغز فيه أو اللفظ المستعمل فيه ، وجمعه ألغاز بفتح الهمزة مثل رطب وأرطاب وأصل اللغز جحر اليربوع وذلك أنه يحفر حجرة إلى أسفل داخل جحره على استقامة ثم يجعل فيه مختفى يمينا وشمالا فسمى المختفي فيها لغزا ، ومقتضى ذلك تسمية الاختفاء فيها