إلغازا فمنه أخذ ما ذكر ، وإنما تكون الاستعارة إلغازا عند عدم إشمام رائحة التشبيه ؛ لأن شرائط الحسن إن روعيت وروعي من جملتها عدم إشمام الرائحة كانت الاستعارة في غاية البعد عن فهم المراد ؛ لأن عدم إشمام رائحة التشبيه يبعد عن الأصل ، وخفاء الوجه يزيده بعدا ، فإذا تقوى التبعيد عن الأصل لم يفهم المراد ، وإن لم تراع جميعا بأن انتفى عدم إشمام الرائحة بوجود إشمامها فذلك مما يقرب إلى الأصل ، لكن يفيت الحسن وقولنا : بأن انتفى عدم إشمام الرائحة بوجود إشمامها إشارة إلى أن الشرط الذي تكون معه التعمية وتنتفي بانتفائه هو الإشمام ، وأما الشرائط الأخرى فلا مدخل لها ولا لعدمها في التعمية وعدمها ، ومرادنا بشرائط الحسن هنا شرائط التشبيه ليكون ذكر عدم إشمام الرائحة بعدها من عطف المباين ، وقد عرفت أنه هو المقصود بالذات وغيره لا مدخل له في التعمية ويحتمل أن يراد بها شرائط حسن الاستعارة فيكون ذكر عدم الإشمام بعدها من عطف الخاص على العام ؛ للاهتمام به إشارة لما ذكرنا من أنه المناط في التعمية وعدمها بعدمه ، فإن قلت : متى لم يذكر الوجه ولو كان جليا بل ولو كان في التشبيه كان فيه خفاء وتعمية إذ لا دليل عليه ، قلنا : أما في التشبيه فالغرض حاصل من قولنا : زيد كعمرو لو لم يذكر الوجه وهو أنا ألحقناه به في شيء ما من الأشياء وأما في الاستعارة فإن الانتقال من وجه الشبه إلى المستعمل فيه ، فإذا كان الوجه جليا في المشبه به حصل الانتقال بلا خفاء وإلا ركب الفهم شططا بالخفاء فيكون تعمية وتحقيق ذلك أن الغرض من الاستعارة إفهام المستعار له من حيث وجه الشبه أو بواسطته ، فإذا قيل : مثلا رأيت أسدا في الحمام فالمراد الإشعار بالأسد الأصلي لينقل منه إلى لازمه المشهور وهو الشجاعة والجراءة ثم ينتقل بواسطة القرينة إلى من يشاركه فيها وهو الرجل الشجاع فالمنتقل إليه آخرا هو الرجل المقيد بالشجاعة لأجلها مع اعتبار إخراج مطلق الشجاعة عن الطرفين ؛ لتكون وجها جامعا إذ لو دخلت احتيج إلى آخر ويتسلسل ولا يقال المقيد يدخل فيه القيد فيدخل الوجه في الطرف المنتقل إليه المستعمل فيه اللفظ ، فإذا كان المستعمل فيه هذا الطرف المشبه بقيده الذي هو الوجه الكائن فيه دخل الوجه في