ذلك الطرف الذي هو المشبه ، والمقرر أن الوجه خارج عن الطرفين ؛ لأنا نقول الوجه مطلق الشجاعة والمنتقل إليه الرجل المقيد بها ويكفي في مباينة الوجه والطرف بأن لا يعتبر الوجه في طرف التشبيه الإطلاق والتقييد ؛ لأن المطلق خلاف المقيد لعموم المطلق فإذا تمهد هذا التحقيق كما تقدمت الإشارة إليه أول الباب فنقول متى كان وجه الشبه خفيا انقطع الانتقال منه مطلقا إلى الطرف الذي استعمل فيه اللفظ مقيدا به فتصير إلغازا إذ لا يفهم من القرينة إلا أن المعنى الأصلي لم يرد ، وإما أن يفهم أنه أريد الطرف الآخر فلا وذلك (كما لو قيل) في الاستعارة التحقيقية (رأيت أسدا) في الحمام (وأريد إنسان أبخر) أي : خبيث رائحة الفم إذ لا ينتقل من الأسد مع القرينة المانعة عن إرادة الأصل إلا إلى إنسان موصوف بلازم الأسد المشهور وهو الشجاعة وأما إلى البخر فلا لخفائه والانتقال إلى الرجل بدون الوصف لا يفيد في التجوز (و) كما إذا قيل في الاستعارة التمثيلية (رأيت إبلا مائة لا تجد فيها راحلة وأريد الناس) من حيث عزة وجود الكامل مع الكثرة ، ولا شك أن وجه الشبه المذكور خفي فلا ينتقل إلى الناس من الإبل من هذه الحيثية وإنما قلنا : إن هذه الاستعارة تمثيلية ؛ لأن الوجه منتزع من متعدد لأنه اعتبر فيها وجود كثرة من جنس وكون تلك الكثرة يعز فيها وجود ما هو من جنس الكامل ، وههنا شيء وهو أن الكلام إذا كان هكذا فالخفاء من عدم ذكر القرينة المانعة عن إرادة الأصل ، إذ لو قيل : رأيت يوم الجمعة في المسجد إبلا مائة لا تجد فيها راحلة تبين المراد ؛ لأن قوله : مائة لا تجد فيها راحلة تبين الوجه فالأولى في التمثيل أن يقال : رأيت يوم الجمعة في المسجد والإمام يخطب إبلا مائة لا تجد فيها راحلة ، فإن هذه صورة التجوز مع أن الخفاء ، إذ المفهوم الناس المرئيين في المسجد كالإبل والمتبادر أنهم كالإبل في البهيمية وقلة الفهم وكبر الأعضاء وطولها مثلا ، إذ هذا هو المتبادر وقد ينتقل إلى أنهم في غاية الصبر ؛ لأن الإبل مشهورة بالصبر على ما تستعمل ، وأما عزة الكمال مع الكثرة فلا تفهم ، وإنما قلنا : هكذا لأن كلامنا فيما تحقق فيه التجوز مع الخفاء ولا يتحقق إلا بالقرينة ولو ذكرت القرينة في المثال مع الإيماء إلى الوجه انتفى الخفاء