وبه يعلم أن الوجه إن كان خفيا وأشير إلى ما يومي إليه فإن لم يدع رجوع الكلام إلى التشبيه لم يكن إلغازا ، وبالجملة إن ما ذكر من التمثيل ليس بظاهر لعدم القرينة وعلى تقدير وجودها فإن كان من التشبيه فهو خارج عما نحن بصدده ، فلا يصح التمثيل وإن كان من المجاز فلا خفاء لظهور المراد ، فإن قيل : لو قيل مثلا الناس كالإبل كان إلغازا لخفاء وجه الشبه المراد من التشبيه فيكون إلغازا أيضا فعلى هذا لا يختص الإلغاز بالمجاز بل يجري في التشبيه أيضا ، وظاهر ما تقدم أن عدم ذكر الوجه في التشبيه لا يصيره إلغازا وظاهره الإطلاق أعني سواء خفي الوجه أو ظهر ، قلنا : المقصود من الاستعارة كما حررنا التوصل بالوجه إلى المراد ومتى خفى انقطع التوصل كما تقدم ، وأما التشبيه فإن كان الغرض مجرد الإلحاق لم يضر الخفاء ، وإن كان الغرض الإلحاق بوجه خاص فلا بد من البيان إن خفي كما في الحديث الشريف الذي أخذت منه هذه الاستعارة الممثل بها فلذلك أشير إلى الوجه في التشبيه في قوله صلىاللهعليهوسلم (الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة) (١) فكون التشبيه إلغازا عند عدم ذكر الوجه مع خفائه أمر عارض بخلاف المجاز وقوله صلىاللهعليهوسلم مائة لا تجد فيها راحلة يحتمل أن يكون جملة استئنافية ، أي : مائة منها لا توجد فيها راحلة إذ كأنه قيل ما معنى ذلك؟ فقيل : مائة منها لا تجد فيها راحلة ، ويحتمل أن يكون مائة نعتا للإبل وما بعده وصفا لمائة كإبل معدودة بهذا القدر الكثير الموصوف بأنك لا تجد فيها راحلة على كل فقد ظهر أن فيه الإيماء لوجه الشبه المقصود لخفائه ، وهو أن الناس في عزة وجود الكامل كالإبل في عزة الكامل مع الكثرة في كل منهما ، إلا أن مصدوق الكامل في الناس هو المهذب من القبائح الزاهد فيما لا يعني ومصدوقه في الإبل النجيب المتحمل للأثقال الحسية وذلك أن الراحلة في اللغة هو البعير المعد للرحل وحمل الأثقال لقوته سواء كان جملا أو ناقة ، فالمعنى أن المرضى شرعا وطبعا المنتخب أخلاقا وزهدا هو في عزة وجوده مع كثرة جنسه كالنجيبة المعدة للرحل التي لا تكاد توجد مع كثرة الإبل ، وإنما
__________________
(١) أخرجه البخارى فى الرقاق (٦٤٩٨) ، ومسلم (٢٥٤٧).