حقيقتها عدم نصب القرينة المانعة لا تنافى جواز إرادة المعنى الأصلي ، كما أن المجاز من حيث اقتضاه حقيقة نصب القرينة المانعة ينافيه ، لكن قد يمتنع ذلك أي قد تمتنع تلك الإرادة في تلك الكناية ، لا من حيث إنها كناية ؛ لأنها من تلك الحيثية لا تمنع لعدم نصب القرينة بل من حيث خصوص المادة لاستحالتها ، ولا ينافي ذلك كون اللفظ كناية ، فيجوز أن يكون اللفظ لا تنصب معه قرينة مانعة من المعنى الأصلي ، فيكون كناية لصحة المعنى الأصلي ، ثم يعرض له المنع لكون الأصلي في خصوص الجزئية المستعمل فيها اللفظ مستحيلا ، ولا ينافي ذلك كونه كناية ؛ لأن مقتضى حقيقتها وهو أن لا تنصب القرينة على المنع كما في المجاز ما زال مستصحبا كما ذكره صاحب الكشاف في قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(١) أنه من باب الكناية من حيث إن السلب أو الإثبات عن المثل يستلزم عرفا بعاضد العقل السلب أو الإثبات عن مماثلة ، كما في قولهم مثلك لا يبخل ، فإن نفى البخل عمن كان مثلك وعلى أخص وصفك يستلزم نفيه عنك ، وإلا لزم التحكم في نفي الشيء عن أحد المثلين دون الآخر ، فيعتبرون أنهم إذا نفوا البخل عمن يماثل الإنسان ، وعمن يكون على أخص وصفه ، فقد جعلوا النفي لازمه ، ويلزم من كونه ، أعني : نفي البخل لازما لأحد المثلين كونه لازما للآخر لاستواء الأمثال في اللوازم ، وهذا كما يقال : بلغت أترابه جمع ترب بكسر التاء ، وهو القرن أي : بلغت أقرانه يريدون بذلك بلوغه ؛ لأن البلوغ إذا ثبت لمن هو قرنه ومثله في السن ، وصار لازما لذلك القرن ، فقد ثبت له لمساواته لذلك القرن في السن وإلا لزم التحكم والخروج عن المعتاد ، فليس كالله شيء وليس كمثله شيء عبارتان متعاقبتان على معنى واحد ، وهو نفي المماثلة عن ذات الله العلي الكبير ، وإن كان مضمون الأول بالمطابقة نفى أن يكون شيء مماثلا له تعالى ، ومضمون الثانية أن يكون شيء مماثلا لمثله إلا أنه يلزم من نفي كون الشيء مماثلا لمثله بالمطابقة نفي كونه مماثلا له تعالى ، إذ لو كان ثم مماثل له تعالى كان مماثلا لمثله ضرورة أن ما ثبت لأحد المثلين ثابت للآخر ، وإلا افترقت لوازم المثلين ، فمفاد العبارتين واحد إلا أن الثانية تفيد المعنى بطريق
__________________
(١) الشورى : ١١.