أن معناه الكناية ، والمراد بوحدة المعنى هنا أن لا توجد هنالك أجناس من المعاني لا ما يقابل التثنية والجمعية الاصطلاحية بدليل المثال الآتي ، ثم لا يخفى ما في كلامه من التسامح وهو إطلاق الكناية على المعنى الأصلي ، وإنما هي كما تقدم لفظ كان له معنى حقيقي أطلق لينتقل منه إلى لازمه ، ولكن لما كان الانتقال من معنى اللفظ سمى المعنى كناية ، وذلك كما إذا اتفق أن للشيء صفة اختصت به ، فيذكر لفظ تلك الصفة ليتوصل بتصور معناه إلى ذلك الموصوف أي : إلى ذاته لا إلى وصف من أوصافه أو إلى نسبة من النسب المتعلقة به ، فيصدق حينئذ أن المطلوب بلفظ تلك الصفة الذي جعلناه كناية غير الصفة والنسبة ؛ إذ هو ذات الموصوف ، وإنما اشترطنا في الصفة المكنى بها الاختصاص لما تقدم أن الأعم لا يشعر بالأخص وإنما يستلزم المطلوب ما يختص به بحيث لا يكون أعم بوجوده في غير وذلك (كقوله : الضاربين) (١) أي : أمدح الضاربين (بكل أبيض) أي بكل سيف أبيض (مخذم) بضم الميم وسكون الخاء وفتح الذال المعجمة وهو القاطع (والطاعنين) أي : أمدح الطاعنين ، أي : الضاربين بالرمح (مجامع الأضغان) والمجامع جمع مجمع اسم مكان من الجمع ، والأضغان جمع ضغن وهو الحقد ، فمجامع الأضغان كناية عن القلوب ، فكأنه يقول : والطاعنين قلوب الأقران لإجهاز نفوسهم بسرعة ، وهو أعني المجامع معنى واحد ، إذ ليس أجناسا ملتئمة وإن كان لفظه جمعا ، وذلك المعنى صفة معنوية مختصة بالقلوب ؛ لأن مدلولها كون الشيء محلا تجتمع فيه الأضغان ، ولا شك أن هذا المعنى مختص بالقلوب ، إذ لا تجتمع الأضغان في غيرها ، لا يقال مصدوق قولنا مجمع الضغن هو القلب ، وإطلاق اللفظ على مصدوقه حقيقة فليس هذا من الكناية ؛ لأنا نقول : لم يطلق المجمع على القلب من حيث إنه مجمع الضغن ؛ إذ لا يقصد الإشعار بهذا المعنى فيه ، إذ المضروب ذاته لا من حيث هذا المعنى ، فالمفهوم من مجمع الضغن عند إطلاقه لم يرد ، وإنما أتى لينتقل منه إلى ذات القلب
__________________
(١) البيت لعمرو بن معد يكرب ، فى الإشارات ص (٢٤٠) ، والإيضاح ص (٢٧٣) بتحقيق الدكتور / عبد الحميد هنداوى.