المكنى بالمكنى عنه كما في قوله حي إلخ كناية عن الإنسان ، وهذا لا يختص بهاتين الكنايتين اللتين هما قسما الأولى ، بل كل كناية كذلك إذ لا يدل الأعم على الأخص ، ولا ينتقل من الأول إلى الثاني ، وإنما نص على ذلك فيهما تذكرة لما علم ، لئلا يغفل فيتوهم أن الأوصاف أو الصفة ينتقل منها إلى الموصوف مع عموم مفهومها فتخرج بذلك التوهم هذه عن قاعدة الكناية.
والأولى من هاتين أعنى ما هي معنى واحد ينتقل منها إلى الموصوف جعلها السكاكي قريبة أي : سماها قريبة بمعنى أنها سهلة المأخذ ، أي : الأخذ بمعنى أن محاول الإتيان بها يسهل عليه تناولها ، ويسهل على السامع الانتقال فيها ، كما يسهل على المتكلم الإتيان بها بعد إدراك وجه الانتقال فيها ، وإنما سماها سهلة ؛ لبساطتها وعدم التركيب فيها فلا يحتاج فيها إلى ضم وصف إلى آخر ، والتأمل في المجموع حتى يعلم اختصاص هذا المجموع بلا زيد ولا نقص.
وجعل الثانية بعيدة المأخذ والانتقال ؛ لتوقفها بالنسبة للآتي بها على جمع أوصاف يكون مجموعها مختصا بلا زيد ولا نقص ، وذلك يحتاج إلى التأمل في عموم وخصوص وتوقف الانتقال على ما ذكر ، وكلما توقف الانتقال على تأمل أو الإتيان عليه كان ثم بعد ، وقد علم من هذا أن مراده بالقرب سهولة الانتقال والتناول للبساطة ، وبالبعد صعوبتهما للتركيب ؛ لأن إيجاد المركب والفهم منه أصعب من البسيط غالبا ، وليس المراد بالقرب هنا انتفاء الوسائط والوسائل بين الكناية والمكنى عنه ، وبالبعد وجودها كما سيأتي ؛ فالبعد والقرب هنا خلافهما بهذا المعنى الآتي ، وإن كان يمكن مجامعتهما لما يأتي ؛ لصحة وجود البساطة بلا واسطة ، ووجود التركيب مع الوسائط ، وقولنا : للبساطة وللتركيب للإشارة إلى أن الصعوبة والسهولة نسبيان يحصل كل منهما في الغالب مما نسبا له ، وإنه وإن كانت ثم صعوبة أو سهولة لشيء آخر عارض فهما يندرجان فيما يأتي على ما سيجيء تحقيقه إن شاء الله تعالى فتأمل.
(والثانية) من أقسام الكناية هي (المطلوب) أي : التي يطلب (بها صفة) من الصفات بمعنى أن ما قصد إفادته وإفهامه بطريق الكناية هو صفة من الصفات ويعني بها