المعنوية لا خصوص النعت النحوي كما تقدم ، ومعنى طلب الصفة دون النسبة أن يكون المقصود بالذات هو إفهام معنى الصفة في صفة أخرى أقيمت مقام تلك ، فصار تصور المثبتة المكنى عنها هو المقصود بالذات ؛ لأن نفس إثباتها كالمعلوم من وجود نسبة المكنى بها ، وأما طلب النسبة دون الصفة ففي ما إذا صرح بالصفة وقصد الكناية بإثباتها لشيء عن إثباتها للمراد فيصير الإثبات بسبب ذلك هو المقصود بالذات ، وإذا قصدت النسبة والصفة معا فلعدم وجود العلم بإحداهما أو ما يقوم مقامه ، والحاصل أن النسبة إن كانت معلومة أو كالمعلومة للتعرض لها في ضمن صفة كنى بها عن أخرى فالمطلوب تصور الأخرى التي أثبتت في ضمن إثبات ما أفهمها ، فتكون الكناية لطلب الصفة وإن كانت الصفة معلومة أو كالمعلومة وكنى بإثباتها لشيء لينتقل إلى إثباتها للمراد ، فالمطلوب ذلك الإثبات وتكون الكناية لطلب النسبة وإن جهلا معا بناء على صحته ، وقصد الانتقال لهما فالمطلوب هما معا ، وتكون الكناية لطلب الصفة والنسبة معا على ما سيأتي ؛ فالصفة لا تخلو من النسبة ، والنسبة لا تخلو من الصفة ، ولكن اختلفا في الاعتبار والقصد الأولى وعدمه فافهم ، ففي المقام دقة.
فإذا تقرر هذا فالمطلوب بها الصفة كأن يذكر جبن الكلب لينتقل منه إلى الجود ، وكأن يذكر كثرة الرماد لينتقل منه لذلك ، وكذا ما أشبه ذلك ، وإنما كان هذا مما طلبت به الصفة على ما قررناه ؛ لأن النسبة التي هي إثبات المنتقل إليه ولو تقرر في نفس الأمر إذ هو المطلوب ، لما ناب عنه إثبات المنتقل عنه وهو الإثبات من جنس ذلك صارت الفائدة ، والحاصل إدراك معنى المثبت الذي هو الكرم لا إثباته.
(وهي) أعني المطلوب بها صفة (ضربان : قريبة وبعيدة) ثم أشار إلى هذا التفصيل فيها أعني بيان قريبها وبعيدها مرتبا له على ذكرها إجمالا فقال : (فإن لم يكن الانتقال) من الكناية إلى المطلوب الذي هو الصفة المكنى عنها ؛ لأن الكلام في الكناية المطلوب بها صفة (بواسطة) بين المنتقل عنه وإليه ، وذلك بأن يكون الذي يعقب إدراك المعنى الأصلي والشعور به هو المكنى عنه (ف) تلك الكناية (قريبة) لانتفاء الوسائط التي يبعد معها غالبا زمن إدراك المكنى عنه عن زمن الشعور بالمعنى الأصلي ، ولما كان معنى