مها الوحش إلا أن هاتا أو أنس |
قنا الخط إلا أن تلك ذوابل (١) |
لما في هاتا من القرب وتلك من البعد ، وكما في قوله تعالى : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً)(٢) لما يشعر به الإغراق من الماء المشتمل على البرودة غالبا ، ويشعر به إدخال النار من حرارة النار ، وفرضنا هذه الأقسام في التقابل الحقيقي ؛ لأن وجودها في الاعتبار إنما هو باعتبار المتعلق ، والمتعلق يعرف حاله من هذه الأقسام ، وقد علم مما قررنا أن التقابل في بعض الصور يعود معناه إلى الاعتباري ، ومن ذكرنا للاعتباري من غير تخصيص له بصورة دون أخرى يعلم أن الملحق بهذا التقابل داخل في هذا الكلام ، وسيأتي ذلك الملحق.
ثم أشار إلى تفصيل في هذا التقابل وهذا الجمع باعتبار اللفظين الدالين على المتقابلين فقال (ويكون) ذلك الجمع بين المتقابلين المسمى بالطباق (بلفظين) أي : يعبر عنهما بلفظين كائنين (من نوع) واحد من أنواع الكلمة التي هي الاسم والفعل والحرف ، واللفظان اللذان هما من نوع واحد ما أن يكونا (اسمين) معا (نحو) قوله تعالى (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(٣) أي : نيام فإن اليقظة تشتمل على الإدراك بالحواس ، والنوم يشتمل على عدمه ، فبينهما شبه العدم ، والملكة باعتبار لازمهما ، وبينهما باعتبار أنفسهما تضاد ؛ لأن النوم عرض يمنع إدراك الحواس ، واليقظة عرض يقتضي الإدراك بها ، وإن قلنا : إن اليقظة نفي ذلك العرض كان بينهما عدم وملكة حقيقة ، وقد دل على كل منهما بالاسمية.
(أو) يكونا (فعلين) معا (نحو) قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٤) فإن الإحياء والإماتة ولو صح اجتماعهما في ذات المحيي والمميت بين متعلقهما العدم والملكة ، أو التضاد بناء على أن الموت عرض
__________________
(١) البيت لأبى تمام ، فى الإيضاح ص (٢٢٥).
(٢) نوح : ٢٥.
(٣) الكهف : ١٨.
(٤) المؤمنون : ٨٠.