(فإن الرحمة) إنما تقابلها الفظاظة ، والشدة إنما يقابلها اللين ، لكن الرحمة (مسببة عن اللين) إذ اللين في الإنسان كيفية قلبية تقتضي الانعطاف لمستحقه ، وذلك الانعطاف هو الرحمة ، فهي مسببة عن الكيفية التي هي اللين ، وأصل الشدة واللين في المحسوسات ، فالشدة فيها الصلابة ، واللين ضدها وهي صفة تقتضي صحة الانغماز إلى الباطن ، فقد قوبل في الآية بين معنيين هما الشدة والرحمة أحدهما وهو الرحمة له تعلق بمقابل الشدة وهو اللين ، والتعلق بينهما كون الرحمة مسببة عن اللين ، ولو قيل : إن الشدة لها تعلق بمقابل الرحمة وهي الفظاظة وعدم الانعطاف لصح أيضا ؛ لأن عدم الانعطاف لازم للشدة التى هي كيفية قلبية توجب عدم الانعطاف لمستحقه ، ومن هذا القسم قوله تعالى (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)(١) لأن ابتغاء الفضل يستلزم الحركة المقابلة للسكون وكذا قوله تعالى أغرقوا فأدخلوا نارا لأن إدخال النار يستلزم الإحراق المقابل للإغراق لاستلزام أحدهما توقد النار والآخر إطفاءها ، وقد تقدم فيه وجه آخر من المقابلة وهذا الملحق يدخل في التفسير السابق للطباق ضرورة وجود مطلق التنافي في طرفيه ، وعلى تقدير دفع ذلك عن كلام المصنف ، فحمله على أن المراد بالمقابلة في الجملة أن تكون بأحد الأوجه الأربعة فقط يفيد دلالة كل على معنى يقابل الآخر بنفسه من غير تعيين واحد منهما ، فلا يندفع عن كلام الشارح لإدخاله في الجملة ما يكون بأي اعتبار فيدخل هذا القسم قطعا كما أشرنا إليه فيما تقدم فافهم.
(و) الثاني : أن يجمع بين معنيين غير متقابلين ولا يستلزم ما أريد بأحدهما ما يقابل الآخر ، ولكن عبر عنهما بلفظين يتقابل معناهما الحقيقيان (نحو قوله :
لا تعجبي يا سلم من رجل |
ضحك المشيب برأسه فبكى (٢) |
أي : فبكى ذلك الرجل من مفارقة ألوان لذات الشبيبة ، وتذكر عوارض الشيب وسلم منادى مرخم وبعد هذا البيت :
__________________
(١) القصص : ٧٣.
(٢) البيت لدعبل الخزاعى الرافضى.