أي : فبكى ذلك الرجل من مفارقة ألوان لذات الشبيبة ، وتذكر عوارض الشيب وسلم منادى مرخم وبعد هذا البيت
قد كان يضحك في شبيبته |
والآن يحسد كل من ضحكا |
|
لا تأخذا بظلامتي أحدا |
قلبي وطرفي في دمي اشتركا |
فقد جمع بين الضحك والبكاء والمراد بالضحك ظهور المشيب من باب التعبير باللازم عن الملزوم ؛ لأن الضحك الذي هو هيئة للفم معتبرة من ابتداء حركة وانتهاء إلى شكل مخصوص يستلزم عادة ظهور البياض ، أعني بياض الأسنان ، فعبر به عن مطلق ظهور البياض في ضمن الفعل ، فكان فيه تبعية المجاز المرسل ، ويحتمل أن يكون شبه حدوث الشيب بالرأس بالضحك بجامع أن كلا منهما معه وجود لون بعد خفائه في آخر ، ثم قدر استعارة لفظ الضحك لذلك الحدوث ، وعبر عنه بالفعل ، فعليه يكون ضحك استعارة تبعية ، ويكون المراد بالمشيب موضع الشعر من الرأس ، ويحتمل على بعد أن يريد بالمشيب الجلدة من الرأس ، ويريد بالرأس مجموع العظم والجلدة ، ويكون قد شبه انفتاح موضع الشعر عن بياض الشيب بالضحك في وجود انفتاح عن لون خفي ، كما يقال : ضحك الورد أي : انفتح ، فتكون الاستعارة تبعية أيضا ، وعلى كل تقدير فالمراد بالضحك معنى لا يقابل البكاء ؛ لأن حاصل المقصود ظهور المشيب ، وإنما التقابل بين الضحك والبكاء باعتبار معنييهما الأصليين.
(ويسمى) هذا (الثاني) وهو ما يكون التقابل فيه بين المعنيين الأصليين دون المعنيين المرادين في الحالة الراهنة (إيهام التضاد) لأن المعنيين المرادين كما بينا في المثال لا تضاد بينهما ، ولكن يتوهم التضاد من ظاهر اللفظيين باعتبار معنييهما الأصليين ، والفرق بين التدبيج الذي فيه الكناية ، وبين إيهام التضاد ـ مع أن المراد في كل منهما لا يقابل به الآخر في الحالة الراهنة ـ أن الكناية الكائنة في التدبيج يصح أن يراد بها معناها الأصلي فينافي مقابله بخلاف إيهام التضاد فلا يصح فيه معناه الأصلي ، تأمله.