متوافقان كذلك ، وقد قابل الأول من الطرف الثاني وهو البكاء بالأول من الطرف الأول وهو الضحك ، والثاني وهو الكثرة من ذلك الطرف الثاني يقابل الثاني من الأول وهو القلة.
(و) دخل في ذلك أيضا مقابلة الثلاثة بالثلاثة (نحو قوله :
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا |
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل |
فالحسن والدين والغنا وهو المعبر عنه بالدنيا متوافقة لعدم التنافي بينها ، وقد قوبلت بثلاثة وهي القبح والكفر والإفلاس الأول للأول والثاني للثاني والثالث للثالث ، وهي متوافقة أيضا لعدم التنافي بينها وإن كانت خلافية.
(و) دخل في ذلك أيضا مقابلة الأربعة بالأربعة (نحو) قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (١) فهذا طرف من المقابلة اجتمع فيه متوافقات خلافية أربعة ، وهي الإعطاء والتقى والتصديق بالحسنى وهي كلمة التوحيد التي هي لا إله إلا الله ، والتيسير لليسرى وهي الجنة ، والطرف الآخر هو قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (٢) فهذه أربعة أخرى تقابل الأولى على الترتيب البخل المقابل للإعطاء والاستغناء المقابل للتقوى والتكذيب المقابل للتصديق ، والتيسير للعسرى المقابل للتيسير لليسرى ، ومجموع مدلول التيسير للعسرى هو المقابل لا المجرور فقط ، فلا يرد أن المجرور لا يستقل فلا تقع به المقابلة ، وقد ظهرت المقابلة بين كل فرد وما يقابله إلا الاستغناء مع التقوى فإن التقوى إما أن تفسر برعاية أوامر الله تعالى ونواهيه والاعتناء بها خوفا منه تعالى أو محبة فيه ، أو تفسر بنفس خوف الله أو محبته الموجب كل منهما لتلك الرعاية والاستغناء إن كان معناه عدم طلب المال لكثرته فلا يقابل التقوى بذلك المعنى ، وإن كان معناه عدم طلب الدنيا للقناعة فكذلك وإن كان شيئا آخر فمعه خفاء ، فأراد بيان معناه لتتضح مقابلته للتقوى فقال (والمراد باستغنى : أنه زهد فيما عند الله تعالى) من الثواب الأخروي فصار
__________________
(١) الليل : ٥ ، ٦ ، ٧.
(٢) الليل : ٨ ، ٩ ، ١٠.