بتركه طلبه كأنه مستغن عنه) أي : لا يحتاج إليه مع شدة احتياجه إليه لو كان له ميز ، وذلك أن العاقل لا يترك طلب شيء إلا إن كان مستغنيا عنه ، فعبر بالاستغناء عن ترك طلب ما عند الله تعالى على وجه الترفع عنه إنكارا له ، وترك طلبه كذلك كفر ، وإذا كان كافرا (فلم يتق) الكفر (أو) المراد باستغنى أنه (استغنى بشهوات الدنيا) المحرمة (عن) طلب (نعيم الجنة) إما أن يكون ذلك على وجه يؤديه إلى إنكار النعيم فيكون كافرا ويعود إلى الوجه الأول ، وإما أن يكون ذلك سفها وشغلا باللذة المحرمة العاجلة عن ذلك النعيم ، وأيا ما كان (فلم يتق) أيضا ، وإنما قيدناه باللذة المحرمة ؛ لأن كل من لم يرتكب المحرمة أصلا لا يخلو شرعا وعادة من طلب النعيم الأخروي ، وإنما المستلزم لعدم التقوى هو الاستغناء بالشهوات المحرمة ، فعدم الاتقاء ليس هو نفس الاستغناء بالشهوات بل الاستغناء ملزومة ؛ لأنه فسر الاستغناء بالشغل بمحرم والشغل بالمحرم يستلزم نفي التقوى التي هي الطاعة ، بخلاف تفسيره بالزهد فيما عند الله تعالى بمعنى الكفر بما عنده تعالى ، فهو أظهر في الدلالة ، وإن كان الكفر ملزوما لنفي التقوى التي هي الطاعة على هذا النمط أيضا ، وقد تحقق أن الاستغناء ملزوم لنفي النفي كأن التقابل بينهما من الملحق الذي هو أن لا يتقابلا بأنفسهما ، ولكن يستلزم أحدهما ما يقابل به الآخر كما في قوله تعالى (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) هكذا قيل ، ولك أن تقول : متى فسر الاستغناء بالشغل بالشهوات المحرمة ، أو بالكفر كان مضادا للتقوى ، فلا تضمن ، اللهم إلا أن يراد الشغل بمطلق الشهوات لجريان العادة أن الشغل بمطلق الشهوة يستلزم غالبا ارتكاب محرم ، وذلك الارتكاب ضد التقوى ولكن المناسب لقوله تعالى (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) تفسيره بالمعصية التي معها الكفر ، أو يراد بالاستغناء مجرد عدم الطلب ، ولما كان سببه الشغل بالشهوة المحرمة أو الكفر كان ملزوما لعدم الطاعة التي هي التقوى ، تأمله.
ثم أشار إلى ما زاده السكاكي في تحقيق المقابلة بقوله (وزاد السكاكي) في تعريف المقابلة قيدا آخر لا تتقرر حقيقتها عنده إلا به ، وذلك أنه قال : هي ، أي : المقابلة أن يجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وضديهما (وإذا شرط هنا) يعني في المتوافقين أو