الجاري مطلقا ، وهو المشاكلة بلفظ المصاحب ، وقد أطنبت شيئا ما في هذا الموطن ، لقلة الكلام في المشاكلة على مثل هذه المباحث فيها والله الموفق بمنه وكرمه.
ولما قدم أن المشاكلة هي ذكر الشيء بلفظ غيره لمصاحبته معه ، ومن المعلوم أن اصطحاب المعنيين يستلزم اصطحاب اللفظيين ، وقد يسمى اصطحاب اللفظيين المعبر بهما صحبة تحقيق ، واصطحاب المقدر والمذكور اصطحاب تقدير فهما قسمان أراد أن يمثل لهما معا فأشار إلى مثال الأول بقوله (فالأول) أي القسم الأول من المشاكلة ، وهو ما تكون فيه الصحبة التحقيقية (كقوله : قالوا اقترح شيئا) أي اطلب ما شئت من المطبوخ ، وتحكم فيه علينا أخذا من قولهم اقترحت الشيء عليه إذا سألته إياه من غير روية ، أي : تأمل في بغية السؤال وعدمها ، بل طلبته على سبيل التكليف والتحكم على المسئول وقيل إنه مأخوذ من اقترح الشيء إذا ابتدعه وأوجده أولا ولا يخفى أن هذا المعنى غير مناسب هنا ؛ لأن قوله (نجد لك طبخه) أي نحسن لك طبخ ذلك المسئول مناف له إذ على تقديره كذلك يصير المعنى : ابتدع شيئا وأوجده نجد لك طبخه ولا معنى لإيجاد المطبوخ ليطبخ ، وإن حمل على معنى أوجد أصله ليطبخ نافاه السياق أيضا ؛ لأن المراد اطلب ما تريد من الأطعمة المطبوخة تعطاه ، وليس المراد ائتنا بطعام نطبخه لك على أن ابتداع أصل الطعام وإنشاؤه لا معنى له هنا.
(ونحوه) أي : نحو هذا المثال في كونه مشاكلة تحقيقا قوله تعالى حكاية عن عيسى عليهالسلام : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ)(١) أي : ما في ذاتك وإطلاق النفس على ذات القديم تعالى لا يصح إلا للمشاكلة لوقوعه في صحبة من له النفس حقيقة مع ذكرها لفظا ، وهذا بناء على أن النفس مخصوصة بالحيوان أو بالحادث الحي مطلقا ، ويدل عليه قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(٢) وقيل إن النفس في الآية عام مخصوص بمن يقبل الموت من الحوادث ، وإلا فالنفس تطلق على ذاته
__________________
(١) المائدة : ١١٦.
(٢) آل عمران : ١٨٥.