تعالى أخذا من قوله تعالى (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(١) وعليه فلا مشاكلة ؛ لأن اللفظ أطلق معناه على معناه لا على غيره لمصاحبته لذي اللفظ.
ثم أشار إلى مثال الثاني بقوله (والثاني) وهو ما يكون مذكورا بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير تقديرا (نحو) قوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (٢) (وهو) أي : قوله صبغة الله (مصدر) على وزن فعلة بكسر الفاء وسكون العين من صبغ كالجلسة من جلس ومعلوم أن فعلة بكسر الفاء للهيئة أي : لحالة مخصوصة يقع عليها مطلق المصدر ، فالصبغة لمخصوص من مطلق المصدر وسنبين ذلك (مؤكد) ذلك المصدر الذي هو صبغة (ل) قوله (آمنا بالله) لدلالته على لازم الإيمان (أي : تطهير الله) بمعنى أن الصبغة أطلقت على التطهير بالإيمان من رذيلة الكفر ، وإنما كان التطهير لازما (لأن الإيمان يطهر النفوس) كما ذكرنا من رذيلة الكفر ، وينفي أسبابه عنها من الجهل والكبر والعداوة لأهله ، فلما كان الإيمان المدلول لآمنا متضمنا أي : مستلزما للتطهير كان صبغة الدال على التطهير مؤكدا لآمنا لدلالته على لازمه البين ، ومؤكد اللازم مؤكد للملزوم ، وهو معمول حينئذ لآمنا لتضمنه باللزوم معناه ، أو معمول لفعل من لفظه ، أي : صبغنا الله صبغة ، ولا ينافى ذلك كونه مؤكدا لآمنا من جهة المعنى ، ثم إن إطلاق مادة الصبغ على التطهير من الكفر مجاز تشبيهي ، وذلك أنه شبه التطهير من الكفر بالإيمان بصبغ المغموس في الصبغ الحسي ، ووجه الشبه ظهور أثر كل منهما على ظاهر صاحبه ، فيظهر أثر التطهير على المؤمن حسا ومعنى بالعمل الصالح والأخلاق الطيبة ، كما يظهر أثر الصبغ على صاحبه ، وقد علم أن أصل التطهير
__________________
(١) الأنعام : ٥٤.
(٢) البقرة : ١٣٦ ـ ١٣٨.