(ومنها) أي : ومن أقسام التجريد ما يكون حاصلا بدخول الباء التجريدية الداخلة في المنتزع بعد دخول الأصلية في المنتزع منه وذلك (نحو قوله : وشوهاء) (١) أي : وفرس شوهاء ، أي : قبيحة المنظر والوصف بالشوهائية أي قبح الوجه ، وإن كان قبيحا في أصله ، لكنه يستحسن في الخيل لأن ذلك يكون لمجرد سعة أشداقها ؛ وذلك يدل على كمالها وقوتها. وقد يكون ذلك لما يصيبها من شدائد الحرب ، من الإصابة عند الطعن والضرب ، وذلك يدل على أنها مما تعد للشدائد ؛ لقوتها وأهليتها ، ومما جرب للملاقاة ، ويتكل عليها في الحروب والتصادم ، وذلك كمال فيها أيضا. (تعدو) أي من وصف تلك الفرس أنها تعدو أي : تسرع (بي إلى صارخ الوغى) أي : إلى الصارخ في مكان الوغى ، والوغى : الحرب ، والصارخ : هو الذي يصيح وينادي لحضور الحرب والاجتماع إليه. (بمستلئم) أي بلابس اللأمة وهي : الدرع من الحديد فقوله : بمستلئم مجرد من المجرور ، وبالباء الأصلية ، والباء فيه للمصاحبة ، أي : تعدو مع مستلئم آخر فقد بالغ في ملابسة لبس اللأمة للحروب وملازمتها حتى صار بحيث يجرد منه مستلئم آخر مثله في ملابستها ولزومها استعداد للحروب.
ولا يناسب هنا إلا معنى المصاحبة في الباء ؛ لأنها لو جعلت للسببية كان التقدير : تعدو بي بسبب مستلئم ، فيكون المستلئم الذي هو نفس المنتزع سببا للمجرد منه وهو اللابس للأمة حقيقة ، والمقدر أن المجرد منه هو السبب والمنشأة لا العكس ؛ ولذلك جعلت هنا للمصاحبة دون السببية ولو كان يمكن هنا اعتبار السببية فيها أيضا بتكليف ، وذلك بأن تدعى المبالغة حتى صار الأصل والسبب فرعا ومسببا ، أو يدعى أن عدو الفرس بسببية ذلك المستلئم ، أي : استعداده أوجب عدو الفرس للحرب ، كأنه حث على ذلك ، وهو يرجع إلى الأول ، إذ كونه سببا في العدو معناه كونه سببا في وجودي حال كوني مسرعا للحرب وإنما لم يحمل على ذلك ؛ لأن المبالغة المفيدة للتجريد تكفي للحسن ومتى زيد عليها ما أوجب العكس صار الكلام كالرمز ، وصار في غاية البرودة بالذوق السليم.
__________________
(١) البيت لذى الرمة فى ديوانه ص (١٤٩٩) ، وشرح عمدة الحافظ ص (٥٨٩) ، وبلا نسبة فى المقاصد النحوية.