على إفادة التجريد ، وذلك (نحو) قوله : (فلئن بقيت) (١) حيا (لأرحلن) أي : لأسافرن (بغزوة). من وصف تلك الغزوة إنها (تحوي) أي : تجمع (الغنائم) أي : يجمعها أهلها يعني نفسه (أو) بمعنى إلا على حدها في قولك ؛ لأقتلن الكافر أو يسلم. أي : إلا أن يسلم ، والفعل بعدها منصوب بأن ؛ فالمعنى تحوي تلك الغزوة الغنائم إلا أن (يموت كريم). ومعناها لكن أي : لكن إن مات هذا الكريم يعني نفسه لم يحو الغنائم ، وإنما كانت كذلك لأن البقاء المتعلق بالغزوة لا يشتمل على الموت ولا شك أن معنى الكلام كما أفاده السياق : أني أجمع الغنائم ، أو أموت فالمراد بالكريم نفسه ـ كما ذكرنا ـ فقد انتزع من نفسه بقرينة التمدح بالكرم كريما مبالغا في وصفها بالكرم لدلالة الانتزاع على أنه بلغ في الكرم إلى حيث يفيض ويخرج عنه كريم آخر مثله في الكريم. وينبغي أن يتنبه هنا إلى أن المتكلم بنحو هذا الكلام مما يتبادر منه أنه أقيم الظاهر فيه مقام المضمر ، يحتمل أن يقصد المبالغة في وصف نفسه بذلك الوصف ، كما وصف نفسه بالكرم هنا ، ثم بالغ حتى انتزع من نفسه كريما آخر.
وقد دلت قرينة المدح هنا على قصد ذلك لأن المبالغة في المدح أنسب له ، فيكون تجريدا كما قررناه ويحتمل أن يريد مطلق التنطع في التعبير وتحويل الكلام ، من أسلوب إلى أسلوب ؛ ليتجدد فيمال إليه ولا يمل ، فيكون التفاتا والمعنيان لا تنافي بينهما فيمكن أن يقصدهما المتكلم معا فيكون في الكلام تجريد والتفات فعلى هذا لا يرد أن يقال : التعبير بالكريم من باب الالتفات ، حيث أقيم الظاهر الذي هو لفظ الكريم مقام المضمر ، إذ لا يخفى أن الأصل كما قررناه : أو أموت. وإنما لم يرد ؛ لأنه لا تنافي بين الالتفات والتجريد على ما ذكرنا ذلك الآن وقررناه وظاهر ما دفع الإيراد المذكور أن الالتفات يجتمع مع التجريد في لفظ واحد وفي قصد واحد بحيث يراد باللفظ الواحد أن يكون للالتفات والتجريد في استعمال واحد ، وفيه بحث ؛ لأن مبنى الالتفات على الاتحاد ومبنى التجريد على التعدد ، يعني أن الالتفات هو أن يعبر عن معنى بعد التعبير
__________________
(١) البيت لقتادة بن مسلمة الحنفى ، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص (٢٧٨) ، وشرح المرشدى (٢ / ٩٨).