عن ذلك المعنى بنفسه ، أو بعد استحقاق المقام التعبير عنه بلفظ آخر ، من غير أن يكون ثم اختلاف بين المعبر عنه لفظا أو تقديرا أولا ، وبين المعبر عنه ثانيا.
والتجريد هو أن يعبر عن معنى مجرد عن معنى آخر مع اعتبار أن المجرد شيء آخر فعلى هذا لا يصح أن يقصد الالتفات والتجريد في لفظ واحد ؛ لتنافي لازميهما وتنافي اللوازم يوجب انتفاء الملزومات. نعم لو قيل في الجواب أنه كما صح الالتفات يصح فيه التجريد على البداية لا على الاجتماع ؛ وذلك أن من المواد ما يصلح لقصد التجريد فقط ، ومنها ما يصلح للالتفات فقط ومنها ما يصلح لهما معا ، فالأول كما تقدم في قولهم لي من فلان صديق حميم ، إذ لا معنى للالتفات فيه ؛ لاتحاد الطريقتين فيه إذ هما معا غيبة.
والثاني : كقوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ) (١) إذ لا معنى للتجريد هنا.
والثالث : كالمثال الذي نحن في البحث فيه ، والتمثيل به ، على أنه تجريد ، ويدل على ذلك قرينة المدح كما تقدم ، كان وجها وأما أنهما يجتمعان قصدا فلا يصح كذا قيل : والحق أن الالتفات إن شرط فيه الاتحاد حقيقة ومن كل وجه من غير اعتبار المخالفة أصلا ـ كان منافيا في القصد للتجريد لوجود المخالفة فيه ؛ لأن المعنى المجرد قد اعتبر غير المجرد منه ، وإن شرط فيه وجود مطلق الاتحاد في نفس الأمر صح معه اعتبار المخالفة المصححة للتجريد الدال على المبالغة ، ويعتبر الاتحاد في نفس الأمر المصحح لقصد التنطع في التعبير ، وقصد تجديد الأسلوب زيادة في حسن الكلام فليتأمل.
(وقيل : تقديره) أي تقدير الكلام السابق (أو يموت منى كريم) بزيادة منى فحينئذ لا يكون قسما يرأسه لعوده إلى ما دخلت فيه من على المنتزع منه كقولهم : لي من فلان صديق حميم ، وذلك أن المقدر كالمذكور.
(وفيه نظر) أي وفي هذا القول نظر ؛ لأن تقدير شيء زائد في الكلام إنما يحوج إليه عدم تمام المعنى بدونه وهذا الكلام يفهم منه أن المتكلم جرد من نفسه كريما آخر
__________________
(١) الكوثر : ١ ، ٢.