مأخذ التسامي وجه مناسبتها لمسمياتها فيما يأتي تفسيرها ، وحصر المبالغة في الثلاثة متقرر بالدليل القطعي لا بمجرد الاستقراء ، وبيان ذلك أن المبالغة كما تقدم هي أن يدعي أن الوصف منته في الشدة أو الضعف إلى الغاية فالمدعي وهو انتهاؤه إلى الغاية لا يخلو إما أن يكون ممكنا عادة ويلزمه كونه ممكنا عقلا أو لا يكون ممكنا عقلا ، ومن المعلوم أنه إن لم يمكن عقلا لم يمكن عادة وإنه لا يلزم من عدم إمكانه عادة عدم إمكانه عقلا ومن ثم انحصر الثاني في قسمين فالأول وهو الممكن عادة وعقلا هو المسمى بالتبليغ ؛ لأن فيه مجرد الزيادة على المقدار المتوسط فناسب معناه اللغوي كما تقدم.
والثاني وهو أن لا يمكن عادة ويمكن عقلا هو المسمى بالإغراق ؛ لأنه بلغ فيه إلى حد الاستغراق حيث خرج عن المعتاد فناسب المعنى اللغوي أيضا. والثالث وهو أن يستحيل عادة وعقلا هو المسمى بالغلو لتجاوزه حد الاستحالة العادية إلى الاستحالة العقلية ، فناسب معناه اللغوي أيضا وإلى هذا التفصيل وأمثلته أشار بقوله (لأن المدعى) أي إنما انقسمت المبالغة إلى الأقسام الثلاثة لأن المدعى وهو بلوغ الوصف إلى النهاية شدة أو ضعفا (إن كان) هو أي : ذلك المدعى (ممكنا عقلا وعادة) وقد علمت أن الإمكان العادي يستلزم العقلي دون العكس (فهو) أي : فدعوى بلوغه ما ذكر (تبليغ) أي يسمى تبليغا كما تقدم وذلك (كقوله) أي : امرئ القيس (فعادى) (١) أي : والى الفرس (عداء) أي ولاء يقال والى موالاة وولاء بين صيدين إذا صرع أحدهما على أثر الآخر في طلق واحد وصرع كمنع ، يصرع كيمنع ألقى الصيد أو غيره على وجه الأرض ، والطلق للفرس : سبق واحد لم يتخلله وقفة إراحة (بين ثور) متعلق بعادى أي : والى بين ثور وهو الذكر من بقر الوحش (ونعجة) وهي الأنثى منه (دراكا) بكسر الدال على وزن كتاب وهو لحاق الفرس الصيد وإتباع بعضه بعضا في القتل ، وهو من أدرك إذا لحق ، وأدرك هذا بهذا أتبعه إياه وينبغي أن يحمل هنا على معنى أن الموالاة بين الصيدين أتبع بعضها بعضا ليفيد أنه قتل الكثير في طلق واحد ولئلا يكون تأكيدا لقوله عداء (و)
__________________
(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص (٢٢) ، والإشارات ص (٢٧٨) ، والمصباح ص (٢٢٤) ، وشرح المرشدى (٢ / ٩٩).