ولما ذكر أن من أسباب قبول الغلو وجود لفظ يقرب من الصحة وكذا وجود تخييل يستحسن على ما أوضحنا ذلك ، ومن المعلوم أن اجتماع السببين أخروي في القبول أتى بمثال اجتمعا فيه فقال (وقد اجتمعا) أي اجتمع السببان الموجبان للقبول وهما إدخال ما يقربه للصحة وتضمنه تخييلا حسنا (في قوله يخيل لي) (١) أي يوقع في خيالي ووهمي (أن سمر الشهب) أي : أنه أحكمت الشهب ، وهي النجوم بالمسامير (في الدجى) أي : في ظلمة الليل (و) يخيل مع ذلك أن ، أي : أنه (شدت بأهدابي إليهن أجفاني) أي : شدت أجفاني بأهدابي إلى تلك الشهب ، فمضمون ما بعد قوله : يخيل لي وهو إحكام الشهب بالمسامير في الدجى ، وشد الأجفان بأهداب العين محال ، ولكن تضمن تخييلا حسنا ؛ إذ تسبق إلى الوهم صحته من جهة أن مثل هذا المحسوس تقع المغالطة فيه ـ كما تقدم في وجه الشبه الخيالي ـ وذلك أن النجوم بدت في جانب الظلمة ولم يظهر بحقيقة كنهه غيرها فصارت النجوم كالدر المرصع به بساط أسود فيسبق إلى الوهم من تخييل المشابهة قبل الالتفات إلى دليل استحالة شد النجوم بالمسامير في الظلمة صحة ذلك ولما ادعى أنه ملازم للسهر وأنه لا يفتر عن رؤية النجوم في الظلمة فصارت عينه كأنها لا تطرف فنزلت أهدابه مع الأجفان بمنزلة حبل مع شيء شديد في التعلق وعدم التزلزل خيل للوهم من المشابهة لما ذكر صحة ذلك أيضا ولما تضمن هذا التخيل الذي قرب هذا المحال من الصحة قبل الغلو الموجود في البيت ، وزاد ذلك قبولا تصريحه بأن ذلك على وجه التخييل لا على سبيل الحقيقة وتخيل المحال واقعا بمنزلة قربه من الصحة لكون ذلك غالبا ناشئا عن تخيل الأسباب فالتخيل موجود في نفسه ولفظ التخيل يقرب من الصحة ، فاجتمع السببان ، فإن قلت ما ضابط وجود التخييل الحسن؟ قلت المحكم في ذلك الذوق ويزاد بيانا في كل جزئية بما يناسب كما أشرنا إليه في المثالين قال قلت الدجى التي هي الظلمة إن كانت من قبيل الجرم فتسمير النجوم في أجرام لا يستحيل ، وكذا شد الأهداب إلى النجوم ممكن بإطالتها. قلت : النجوم كما هي يستحيل تسميرها بالمسامير المعهودة وهي المتحدث عنها في الجرم الكثيف فضلا
__________________
(١) البيت للقاضى الأرجانى كما فى الإشارات ص (٢٨٠) ، وشرح المرشدى (٢ / ١٠٠).