عن اللطيف الذي معه ما يشبه الهشاشة هذا إذا قلنا إنها جرم كما هو مبنى السؤال ، وأما إن قلنا : إنها عرض فلا إشكال وهو المنصوص عن الحكماء إذ هي عندهم عدم الضوء وكذا شد الأهداب كما هي إلى النجوم كما هي مستحيل ضرورة ، فإن قيل هذا رجوع لعقول العامة أو حمل الاستحالة على وجود قيد مفيد وجودها وعند انتفائه يثبت الإمكان قلنا : التحدث عن الأشياء إنما هو على حسب معناها المعهود وما دام ذلك المعنى فالاستحالة متقررة وإجازة هذه الأمور بالحمل على غير المعتاد خروج عما يفهم من الخطاب ومثل هذا يقال في إضاءة الزيت والمشي على الغبار فيما تقدم وفي الكلام بعد لا يخفى فتأمل.
(ومنها) أي ومن أصناف الغلو المقبول (ما) أي : صنف (خرج مخرج الهزل) أي : خرج على سبيل الهزل وهو الإتيان بما يكون للتضاحك (والخلاعة) وهي عدم المبالاة بما يؤتى من منكر أو غيره والإتيان بما يراد من غير رعاية لفساده أو صحته وذلك (كقوله :
أسكر بالأمس إن عزمت على الشر |
ب غدا إن ذا من العجب) (١) |
والسكر بالأمس للعزم اليوم على الشرب غدا مستحيل لما فيه من تقدم المعلول على علته ، ولو قال : أسكر اليوم لما كان مستحيلا عقلا ، ويكون سبب السكر هو العزم على الشرب ، بل كان مستحيلا عادة ، ولك أن تقول كون فعل الجواب ماضيا ، وفعل الشرط مستقبلا أمر كما يمتنع عقلا يمتنع لغة ؛ فينبغي أن يكون هذا التركيب حينئذ غير صحيح لغة فلا يكون كلاما غريبا ، فليس مما نحن فيه شيء وليس هذا كقول القائل سكرت أمس لشربي غدا فإن هذا كلام عربي ؛ إذ ليس فيه أمر لفظي مخالف للغة العرب فيه يحسن التمثيل لهذا ، والذي يظهر أن هذا تمثيل فيكون كقولهم : زيد يقدم رجلا ويؤخر أخرى إلا أن المشبه به هنا وهمي لا تحقيقي ، فإن مدلول هذه الألفاظ ليس موجودا ، بل متوهما وليس من شرط التمثيل أن يكون المشبه به الذي استعير تحقيقيا ، ألا ترى أنهم عدوا من التمثيل قوله تعالى (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ
__________________
(١) البيت أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص (٢٧٩) ، بلا عزو ، وشرح المرشدي (٢ / ١٠١).