العتاب موجود كما وجد فيمن لم تعاتبهم ، وهو كون المدح للإحسان ، فكأنه يقول : لا تعاتبني على مدح آل جفنة المحسنين إلى المنعمين على كما لا تعاتب قوما أحسنت إليهم فمدحوك ، وهذه الحجة إن قصد الشاعر أن تؤخذ على هذا الوجه كانت على طريق التمثيل وهو المسمى عند الفقهاء بالقياس الذي هو أن يحمل معلوم على معلوم لمساواته إياه في علة الحكم وتقريره هنا ، كما بينا أنه حمل مدحه آل جفنة على مدح القوم للمخاطب في حكم هو نفي العتاب لمساواة الأول للثاني في علة الحكم وهي كون المدح للإحسان ، فإن أراد المصنف بالمذهب الكلامي مطلق الاستدلال المتقرر عند أهل النظر في الجملة كان المثال مطابقا للمراد على هذا الوجه ، وإن أراد به الاستدلال بتركيب المقدمات على طريق الاقتراني والاستثنائي لم يكن المثال بتقريره بهذا الوجه مطابقا لما ذكر ، وإنما يطابقه برده إلى صورة الاستثنائي أو الاقتراني ، ويمكن رده إلى الاستثنائي ، فيقرر هكذا لو كان مدحي لآل جفنية ذنبا كان مدح أولئك القوم لك ذنبا ، وبيان الملازمة اتحاد الموجب للمدحين وهو وجود الإحسان ، فإذا كان أحد السببين ذنبا كان الآخر كذلك لكن كون مدح القوم لك ذنبا وهو اللازم باطل باتفاقك فالمقدم وهو كون مدحي لهم ذنبا مثله فثبت المطلوب وهو انتفاء الذنب عني بالمدح ولزم منه نفي العتب إذ لا عتب إلا عن ذنب ، ويمكن رده إلى الاقتراني فيقرر هكذا مدحي مدح بسبب الإحسان وكل مدح بسبب الإحسان فلا عتب فيه ينتج مدحي لا عتب فيه ودليل الصغرى الوقوع والمشاهدة ودليل الكبرى تسليم المخاطب ذلك في مادحيه وورد على ما أشير إليه من الاستدلال أن قوله اصطنعتهم فلم ترهم في مدحهم لك أذنبوا يقتضي أنه قدم الإحسان لمادحيه وقوله : إذا ما مدحتهم أحكم في أموالهم يقتضي تقدم المدح على الإحسان ولا يلزم من تسليم إيجاب الإحسان للمدح وكونه لا ذنب في تسليم أن المدح المبتدأ ليتوصل به إلى الإحسان لا ذنب فيه فلم يتم الاستدلال إذ يصح أن يعاتب على الابتداء بالمدح ولا يعاتب على كونه مكافأة.
ويجاب بأن المراد كما أشرنا إليه في التقرير أنك اصطنعتهم بسبب مدحهم إياك وأحسنت إليهم بسبب المدح إذ لو رأيت المدح ذنبا لما كافأت عليه. ورد أيضا أن