باتصاف السحاب بحمى أصابته من إياسه من إدراك ما رأى وتغيظه وأسفه على الفوات فالعلة هي الحمى والصفة هي نزول المطر ونزول المطر لم تظهر له علة أخرى عادة ، ولا شك أن استخراج هذه العلة المناسبة إنما ينشأ عن لطف في النظر ودقة في التأمل وليست علة في نفس الأمر فانطبق عليه حد حسن التعليل (أو يظهر) هذا مقابل قوله : أما أن لا يظهر أي أما أن لا تظهر للصفة الثابتة التي قصد بيان علتها علة أخرى عادة كما تقدم وإما أن تظهر (لها) أي لتلك الصفة الثابتة (علة) أخرى (غير) العلة (المذكورة) التي ذكرها المتكلم لحسن التعليل ، وقد عرفت أن العلة في حسن التعليل لا بد أن تكون غير مطابقة لما في نفس الأمر فإذا ظهرت علة أخرى سواء كانت مطابقة أو غير مطابقة فلا بد أن تكون هذه المأتي بها غير حقيقية أي غير مطابقة لتكون من حسن التعليل كما أنه لا بد أن تكون غير مطابقة ، حيث لا تظهر للمعلول علة أخرى أيضا ، إذ كونها غير مطابقة لا بد منه في كل موطن من مواطن حسن التعليل ، وبهذا علم أن ذكر كونها لا بد أن تكون غير مطابقة حيث تظهر علة أخرى فيه إيهام اختصاص هذا المعنى بما إذا ظهر غيرها وإيهام أن الظاهرة تكون مطابقة حيث ذكر غير المطابقة معها والتحقيق ما قررنا من جواز كون الظاهرة غير مطابقة لصحة أن تكون من المشهورات الكاذبة كما لو قيل : هذا متلصص لدورانه في الليل بالسلاح فافهم. ثم مثل لما تظهر له علة أخرى فقال :
(كقوله) أي : كقول المتنبي (ما به قتل أعاديه) (١) أي ليس بالممدوح حنق وغيظ أو خوف أوجب قتل أعاديه لإشفاء الغيظ أو ليستريح من ترقب مضرتهم ، لأنه ليس طائعا للغيظ ولا خائفا من أعدائه إذ هو قاهرهم قهرا لا يخشى معه ضررهم ويهون عليه تناولهم أينما أراد فلم يحمله ما ذكر على قتل أعدائه (ولكن) حمله على قتلهم أنه (يتقي) بقتلهم (إخلاف ما ترجو الذئاب) منه من إطعامهم لحوم الأعداء ؛ لأنه لو لم يقتلهم فات هذا المرجو للذئاب (فإن قتل الأعداء) أي : إنما قلنا إن الصفة هنا
__________________
(١) البيت للمتنبى فى شرح ديوانه (١ / ١٤٤) ، والأسرار ص (٣٣٧) ، والإشارات ص (٢٨١) ، وشرح التبيان للعكبرى (١ / ٩٨).