ظهرت لها علة أخرى ؛ لأن الصفة المعللة هنا هي قتل الأعداء وقتل الأعداء (في العادة) قد ظهر أنه إنما يكون (ل) علة (دفع مضرتهم) ولعلة حصول صفو المملكة من منازعاتهم (لا لما ذكره) وهو أن طبيعة الكرم قد غلبت عليه فصارت محبته لصدق رجاء الراجين لكرمه هو الباعث له على قتل الأعداء ومن جملتهم الذئاب ؛ لأنه عودها إطعامها لحوم الأعداء فكان من المعلوم أنه إذا توجه إلى الحرب صارت الذئاب راجية له حينئذ ليوسع عليهم الرزق بلحوم القتلى من الأعداء ، ولما كان ذلك من المعلوم لتعويده ، لم يرض بخيبة رجائهم لغلبة طبع الكرم عليه ، فصار يقتل الأعداء لتكميل رجاء الذئاب وفي البيت وصف الممدوح بكمال وصف الجود فيه حتى إنه لو لم يتوصل إليه إلا بالقتل ارتكبه وصفه بكمال الشجاعة حتى ظهرت للحيوانات العجم ووصفه بأنه لا يقتل حنقا ولا تستفزه العداوة على القتل لحكمه على نفسه وغلبته إياها فلا يتبعها فيما تشتهي وإنه لا يخاف الأعداء ؛ لأنه تمكن بسطوته منهم حيث شاء كما أشرنا إليه فيما تقدم فالعلة هنا في الصفة التي هي قتل الأعداء وهي تكميل رجاء الذئاب غير مطابقة وفيها من اللطف والدقة ما لا يخفى لما تضمنته من مقتضياتها فانطبق حد حسن التعليل على الإتيان بها فهذان قسمان من الأربعة المذكورة أولا أحدهما : ما يكون في الصفة الثابتة بلا ظهور علة أخرى والآخر ، ما يكون فيها مع الظهور ثم أشار إلى تحقيق القسمين الباقيين من الأربعة فقال :
(والثانية) عطف على قوله والأولى أي : الأولى وهي الثانية فيها قسمان كما تقدم والثانية وهي غير الثابتة التي أريد إثباتها فيها قسمان أيضا ؛ لأنها (إما ممكنة) بمعنى أنها مجزوم بانتفائها ولكنها ممكنة الحصول (كقوله : يا واشيا) (١) أي يا ساعيا بالكلام على وجه الإفساد من وصفه أنه (حسنت فينا إساءته) أي حسن عندنا ما قصد هو إساءتنا فحسن إساءة الواشي هو الصفة المعللة الغير الثابتة علل ثبوتها بقوله (نجي حذارك إنساني من الغرق) أي إنما حسنت لأجل أنها أوجبت حذارى منك ، فلم أبك
__________________
(١) البيت لمسلم بن الوليد فى ديوانه ص (٣٢٨) ، والطراز (٣ / ١٤٠) ، والمصباح ص (٢٤١) ، وفى الشعر والشعراء (٢ / ٨١٥) ، وطبقات الشعراء ص (١١١).