لئلا تشعر بما لدي. ولما تركت البكاء نجا إنسان عيني من الغرق بالدموع. فقد أوجبت إساءتك نجاتي من إنسان عيني (فإن استحسان) أي إنما قلنا إن الصفة هنا ولو لم تقع هي ممكنة ؛ لأن استحسان (إساءة الواشي) معلوم أنه (ممكن لكن) هو غير واقع ولذلك كان المثال من قسم الصفة الغير الثابتة ، و (لما خالف) الشاعر (الناس فيه) أي في ادعائه الوقوع دون الناس ، إذ لا يستحسنه الناس (عقبه) أي : ناسب أن يأتي عقبه أي عقب ذكره حسن إساءة الواشى (ب) تعليل يقتضي وقوعه في زعمه ، ولو لم يقع وهو (أن حذاره منه) أي من الواشي (نجى إنسان عينه من الغرق بالدموع) التي يتأذى بها وذلك لترك البكاء خوفا من الواشي فنجاة إنسانه من الغرق بحذاره علة لما ذكر غير مطابقة لما في نفس الأمر وهي لطيفة.
كما لا يخفى فكان الإتيان بها من حسن التعليل فإن قيل هنا أمران عدم وقوع المعلل وكون العلة غير مطابقة وكلاهما غير مسلم ، إذ لا يكذب من ادعى أن الإساءة حسنت عنده لغرض من الأغراض فالصفة المعللة على هذا ثابتة والعلة التي هي نجاة إنسانه من الغرق بترك البكاء لخوف الواشي ، لا يكذب مدعيه لصحة وقوعه.
فعلى هذا لا يكون هذا المثال من هذا القسم ولا من حسن التعليل ، فلمطابقة العلة له لا يكون من حسن التعليل ، ولثبوت الصفة لا يكون من هذا القسم قلت المعتاد أن حسن الإساءة لا يقع ، لا من هذا الشاعر ولا من غيره فعدم الوقوع مبني على العادة وترك البكاء للواشي باطل عادة ؛ لأن من غلبه البكاء لم يبال بمن حضر عادة ، وأيضا ترك البكاء له لا يكاد يتفق في عصر من الأعصار وعلى المعتاد بني الكلام.
فدعاوى الشاعر استحسانات تقديرية ؛ لأن أحسن الشعر أكذبه فيثبت المراد والله الموفق بمنه وكرمه.
ثم لا يخفى ما في قوله : نجى حذارك إنساني من الغرق ، من لطف التجوز ، إذ ليس هنالك غرق حقيقي وإنما هنالك عدم ظهور إنسان العين فافهم.
(أو غير ممكنة) عطف على قوله إما ممكنة أي الصفة الغير الثابتة إما ممكنة كما تقدم ، وإما غير ممكنة ادعى وقوعها وعللت بعلة تناسبها (كقوله :