لهذا الممدوح فائدة لأهل الدنيا ما هنئوا ببقائه ؛ إذ لا تهنئة لأحد بشيء لا فائدة له فيه وكون القصد هو المدح الأول والثاني تابع ظاهر مما قررنا وظاهر بالذوق السليم أيضا.
قال على بن عيسى الربعي زيادة على ما ذكر من الوجهين (وفيه) أي وفي البيت وجهان آخران من المدح مدلولان بالاستلزام أحدهما يعني هو ما أفاده (أنه نهب الأعمار دون الأموال) لأن ذلك يستلزم كونه ممدوحا بعلو الهمة وأن همته تتعلق بمعاني الأمور فالأموال يعطيها ولا ينهبها والأرواح ينهبها فالعدول عن الأموال إلى الأعمار إنما يكون لعلو الهمة وذلك مما يمدح به ولا يقال لا يلزم من الإخبار بنهب الأعمار العدول عن الأموال لصحة الجميع بينهما فلا يدل الكلام على المدح بعلو الهمة ؛ لأنه لا مفهوم للقب ولا حصر يفيد التخصيص ؛ لأنا نقول تخصيص الأعمار بالذكر والإعراض عن الأموال مع أن النهب أصله أن يتسلط على الأموال يفيد التخصيص ؛ لأنهم يعتبرون مفهوم اللقب من جهة أن تخصيصه بالذكر إنما يكون فى محاورة البلغاء وخطابياتهم لفائدة وليس إلا إخراج ما سواه عن الحكم ، وإلا كان الصواب أن يقول مثلا : نهبت كل شيء للأعداء ، وحيث عدل إلى تخصيص الأعمار بالذكر اعتبر له المفهوم عند البلغاء في محاوراتهم فكأنه يقول : ما نهبت إلا الأعمار دون الأموال لعلو همتك ، ولا يضر إلغاء أئمة الأصول مفهوم اللقب ؛ لأن القائلين بذلك قالوا به بالنسبة لاستفادة الأحكام الشرعية التي ينبغي أن تحصل عن ظن قريب من اليقين ، وأما اعتبارات البلغاء التي يكفي فيها أدنى رمز فيصح فيها ما ذكر ؛ لأن الخطاب فيما بينهم كذلك يتفاهم.
(و) الوجه الثاني من المدح (أنه لم يكن ظالما في قتلهم) لأن الظالم لا سرور للدنيا ببقائه بل سرورها بهلاكه ، ومعلوم أن كونه ليس بظالم مدح فهم من التهنئة لاستلزامها إياه فالمدح الأول لازم عما جعل هو الأصل والثاني لازم عما جعل مستتبعا فافهم.
الإدماج
(ومنه) أي ومن البديع المعنوي (الإدماج) أي النوع المسمى بالإدماج وهو لغة الإدخال ومنه أدمج الشيء في ثوبه إذا لفه فيه (وهو) أي الإدماج اصطلاحا (أن يضمن كلام سيق لمعنى آخر) بمعنى أن الكلام الذي سيق لمعنى يجعل متضمنا لمعنى آخر فقوله