وأراد بالمنظر الوجه والضاحي هو الظاهر حسا ومعنى فإنه يعلم أن ليس ثم إلا ابتسامها فلما تجاهل وأظهر أنه التبس عليه الأمر فلم يدر هل ذلك اللمعان المشاهد من أسنانها عند الابتسام لمع برق سرى أم هو ضوء مصباح أم هو ضوء ابتسامتها الكائنة في منظرها الضاحي أفاد التجاهل المنزل منزلة الجهل غاية المدح وأنها بلغت إلى حيث يتحير في الحاصل منها ويلتبس المشاهد منها (أو) كالمبالغة (في الذم كقوله) أي كما في قوله
(وما أدري وسوف إخال أدري |
أقوم آل حصن أم نساء) (١) |
فإنه يعلم أن آل حصن رجال لكن تجاهل وأظهر أنه التبس عليه أمرهم في الحال ولو كان سيعلم في المستقبل فلم يدر هل هم رجال أم نساء؟ فتجاهله المنزل منزلة جهله فيه إظهار بأنهم حيث يلتبسون بالنساء في قلة غنائهم وضعف فائدتهم فكان في التجاهل إظهار لنهاية الذم وأنهم في منزلة النساء وقوله : وسوف الخ جملة اعتراضية بين أدري ومعموله وهو قوله : أقوم آل حصن الخ وكونها بالواو يدل على أن الاعتراض قد يكون بالواو ومعادلته بين النساء والقوم تدل على أن القوم لا يتناول النساء بل هو مخصوص بالرجال (و) ك (التوله) أي : التحير والدهش (في الحب) كما (في قوله بالله يا ظبيات القاع) (٢) القاع المستوي من الأرض وبالله استعطاف للظبيات المناديات ليستمعن (قلن لنا ليلاي منكن أم ليلى من البشر) فإنه يعلم أن ليلى من البشر فتجاهل وأظهر أنه أدهشه الحب حتى لا يدري هل هي من الظبيات الوحشية أم من البشر؟ فلذلك سأل الظبيات عن حالها ، ويجوز أن يكون هذا المثال لنكتة المبالغة في مدحها بالحسن حيث صارت إلى حال الالتباس بالظبيات وفي إضافته ليلى إلى نفسه أولا ثم التصرح باسمها ثانيا استلذاذ لا يخفى. وهذه النكت مبنية كما أشرنا إليه على أن
__________________
(١) البيت لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص (٧٣) ، والدرر (٢ / ٢٦١) ، (٤ / ٢٨) ، وشرح شواهد الإيضاح ص (٥٠٩).
(٢) البيت للمجنون ، فى ديوانه ص (١٣٠) ، وللعرجى فى شرح التصريح (٢ / ٢٩٨) ، ونسب لغيرهما ، ونسب لذى الرمة فى خزانة الأدب (١ / ٩٧).