القول بالموجب في شيء ، ثم مثل لما استكمل الشروط بقوله وذلك (نحو) قوله تعالى (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) (١) فقد حكى الله تعالى عن المنافقين كلاما وقعت فيه صفة هي لفظ الأعز حال كونها كناية عن فريق المنافقين ، كما أن الأذل في زعمهم كناية عن فريق المؤمنين ، وأثبت فيه لفريق المنافقين الذي هو المكني عنه حكم الإخراج من المدينة لعزته في زعمهم ، فأثبت الله تعالى في الرد عليهم العزة التي هي مضمون تلك الصفة لغير فريقهم بقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فقد رد عليهم بأن العزة تناسب الإخراج كما قلتم لكن ليست لكم بل العزة لله ثم لرسوله ثم للمؤمنين لا لفريقكم ، ويلزم منه إثبات الذلة للمنافقين ولزم ثبوت العزة كون صاحبها هو المخرج بكسر الراء وثبوت الذلة كون صاحبها المخرج بفتحها ولم يتعرض لإثبات الحكم ولا لنفيه ولكن فهم بالالتزام فكان الكلام من القول بالموجب وقوله أن تقع صفة إن أريد اللفظ كما هو الظاهر فالضمير في تثبتها يعود عليها من حيث المعنى لا على طريق الاستخدام إذ لا يشترط إثبات لفظها كما يفهم من الآية وإن أريد المعنى كان الضمير على ظاهره ويلزم التوسع في كون المعنى كناية ثم المراد بالكناية هنا اللفظ الدال على المعنى بوجه من الإجمال كما دل الأعز على فريق مخصوص في استعمالهم لا الكناية المصطلح عليها وهو اللفظ المستعمل لينتقل منه إلى اللازم مع جواز إرادة الملزوم وإذ لا لزوم بين مفهوم الأعز وفريق المنافقين ، ويحتمل أن يراد بها معناها المعهود ويكفي في اللزوم اعتقادهم اللزوم وادعاؤهم ذلك وقد تقدم أن اللفظ المشتق يكون كناية باعتبار مفهومه عن اللازم الذي هو المصدوق ولا ينافي ذلك كون الحكم هنا للعزة وبسببها ؛ لأن المحكوم عليه هو المصدوق بخصوصه وإن كانت العزة سبب ثبوت الحكم له فافهم.
(و) الضرب (الثاني) من ضربي القول بالموجب هو (حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده) بمعنى أن الغير أطلق لفظا على معنى وحمله غير من أطلقه لذلك المعنى على معنى آخر لم يرده المتكلم الأول ولكن إنما يحمله على خلاف المراد حال
__________________
(١) المنافقون : ٨.