والوسط أمكنة متوهمة وإلا فالحرف بنفسه هو الأول والوسط والآخر ثم مثل لما فيه زيادة في الآخر فقال (كقوله) أي كقول أبي تمام :
(يمدون من أيد عواص عواصم) |
تصول بأسياف قواض قواضب (١) |
فعواص وعواصم متساويان إلا في زيادة الميم آخرا في الثاني ، وكذا قواض وقواضب متساويان إلا في زيادة الباء آخرا في الثاني ، ولا عبرة بالتنوين في عواص ، وقواض ؛ لأنه في حكم الانفصال ، أو بصدد الزوال بالوقف ، أو الإضافة أو غير ذلك ، وقوله من أيد يحتمل أن تكون فيه للتبعيض إما بتقديره نعتا لمفعول محذوف أي : يمدون سواعد كائنة من أيد إذ السواعد بعض الأيدي ، فكأنه يقول يمدون السواعد التي هي بعض الأيدي وإما أن يجعل كهي في قولهم هز من عطفه وحرك من نشاطه أي : هز بعض العطف لأن العطف الشق والعضو المهزوز منه الكتف مثلا ، وحرك بعض الأعضاء التي يظهر بتحريكها نشاطه ، ويختلف الوجهان بأن يجعل الفعل في الوجه الثاني كاللازم يتعدى بمن كشربت من الماء ، ويمكن أن يقدر متعديا في الموضعين ، فيقدر في الأخيرين هز عضوا هو بعض عطفه وحرك عضوا هو بعض أعضاء نشاطه ، فيعود التبعيض فيهما إلى الأول وهز العطف كناية عن السرور ؛ لأن المسرور يهتز فصارت الهزة ملزومة للسرور ، وكذا تحريك النشاط ويحتمل أن تكون زائدة على مذهب الأخفش القائل بجواز زيادتها في الإثبات خلافا لمن خص زيادتها بالنفي كقولك : ما من أحد يقول الحق في هذا الزمان ، وعليه يكون هو نفس المفعول ليمدون أي : يمدون أيديا عواصي ، والعواصي جمع عاصية من عصاه ضربه بالعصا ، والمراد بالعصا هنا السيف بدليل ما بعده ، والعواصم جمع عاصمة من عصمه حفظه ، والقواضي جمع قاضية من قضى بكذا حكم به والقواضب جمع قاضبة من قضبه والمعنى أنهم يمدون أيديا عاصيات أي : ضاربات للأعداء بالسيف الذي هو المراد بالعصا هنا عاصمات أي : حاميات وحافظات للأولياء من كل مهلكة ومذلة صائلات على الأقران بسيوف قواض أي :
__________________
(١) لأبى تمام فى شرح ديوانه ص (٤٦) ، وأسرار البلاغة ص (١٧) ، والإشارات (٢٩٢) ، وشرح المرشدى (٢ / ١٤٣) ، والإيضاح ص (٣٢٥).