ثم أشار إلى شيئين ليسا من الجناس الحقيقي ولكنهما ملحقان به في كونهما مما يحسن به الكلام كحسن الجناس فقال (يلحق بالجناس شيئان أحدهما أن يجمع) بين (اللفظين الاشتقاق) أي : أن يكون اللفظان مشتقين من أصل واحد ، والمراد بالاشتقاق هنا الاشتقاق الذي ينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق وهو الأصغر الذي يفسر بتوافق الكلمتين في الحروف الأصول مع الترتيب والاتفاق في أصل المعنى بخلاف الكبير كما سيأتي وما أشبهه وذلك (نحو) قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) (١) فإن أقم مع القيم مأخوذان من القيام أو من قام يقوم ففيهما الأصول من الحروف مع الترتيب والاتفاق في أصل المعنى وهذا النوع من الملحق بالجناس سهل التناول قريب الوجود كما لا يخفى ، فإن كل أحد يتأتي له أينما أراد أن يقول مثلا : قال قائل وقام قائم وقعد قاعد ونحو ذلك (والثاني) من الأمرين الملحقين بالتجنيس (أن يجمعهما) أي أن يجمع اللفظين (المشابهة) والمراد بالمشابهة الأمر المشابه فهي مصدر بمعنى اسم الفاعل بدليل تفسيرها بقوله (وهي) أي : المشابهة (ما) أي : شيء أو الشيء الذي (يشبه الاشتقاق) فلفظ ما على هذا إما موصوفة أو موصولة على التفسيرين ، وذلك الشيء الذي يشبه الاشتقاق وعليه أطلقت المشابهة هو توافق اللفظين في جل الحروف أو في كلها على وجه يتبادر منه أنهما يرجعان إلى أصل واحد كما في الاشتقاق وليسا في الحقيقة كذلك ؛ لأن أصلهما في نفس الأمر مختلف وذلك (نحو) قوله تعالى (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) (٢) فقال مع القالين في أحدهما من الحروف جل ما في الآخر ويتبادر لكون الأول فعلا مشتقا من المصدر والثاني وصفا أنهما من أصل واحد وليس كذلك ؛ لأن الأول من القول والثاني من القلى وهو البغض والترك فبينهما ما يشبه الاشتقاق على الوجه المذكور فكان ما بينهما ملحقا بالجناس ، وإنما قلنا على وجه يتبادر منه أنهما يرجعان إلى أصل واحد كما في الاشتقاق ؛ لئلا يدخل في هذا القسم نحو عواص وعواصم والجوى والجوانح فإن في كل من لفظيهما جل ما في الآخر من الحروف
__________________
(١) الروم : ٤٣.
(٢) الشعراء : ١٦٨.