وقلب هارون نوراه وهو مصنوع يزال به الشعر معروف ، ثم أشار إلى تفريع على جناس القلب بقوله (فإذا وقع أحدهما) أي : أحد المتجانسين بجناس القلب (في أول البيت و) وقع (الآخر) من المتجانسين بالجناس المذكور (في آخره) أي : في آخر ذلك البيت (سمى) هذا التجنيس المقلوب الذي وقع لفظ منه في أول البيت والثاني في آخره (مقلوبا مجنحا) لأن اللفظين في هذا الجناس القلبي صارا للبيت كالجناحين للطائر في وقوعهما متوازيين في الطرفين المتقابلين ومثاله قوله :
(لاح أنوار الهدى من |
كفه في كل حال) (١) |
فبين لفظي لاح وحال الواقع أحدهما أول البيت والآخر آخره تجنيس القلب فسمى ذلك التجنيس مقلوبا مجنحا ثم أشار إلى تفريع آخر على مطلق التجنيس لا بقيد كونه مقلوبا بقوله (وإذا ولى أحد) اللفظين (المتجانسين) اللفظ (الآخر) منهما وهو مفعول ولى أي : ولى ذلك الأحد الآخر سواء كان ذلك الجناس بين اللفظين تاما أو محرفا أو ناقصا أو ما يشمل المضارع واللاحق أو مقلوبا فالمراد بالجناس هنا الجناس لا بقيد كونه مقلوبا بل مطلقه الشامل لجميع الأنواع السابقة ، ولقصد مطلق الجناس أتى باللفظ الظاهر وإلا كان المناسب إعادة الضمير على ما يليه (سمى) أي : إذا توالى المتجانسان مطلقا سمى الجناس بينهما (مزدوجا و) سمى أيضا (مكررا و) وسمى أيضا (مرددا) لازدواج اللفظين بتواليهما وتكرر أحدهما بالآخر وترداده به ، ولا يضر الفصل بينهما بحرف جر أو حرف عطف وما أشبهه (نحو) قوله تعالى في حكاية كلام الهدهد لسليمان (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) (٢) اسم رجل أو بلد (بنبأ يقين) فسبأ ونبأ متواليان وتجنيسهما لاحق وأمثلة الأقسام الباقية ظاهرة مما مر فمثال التام أن يقال : تقوم الساعة في ساعة ، ومثال المحرف أن يقال : هذه لك جبة وجنة من البرد للبرد ، ومثال الناقص قولهم جدى جهدي ، ومثال المقلوب أن يقال : هذا السيف للأعداء والأولياء حتف وفتح.
__________________
(١) البيت بلا نسبة فى المصباح ص (٢٠٢) ، والطراز (٣ / ٩٥) ، والتبيان (٥١٣) ، وشرح عقود الجمان (٢ / ١٤٥).
(٢) النمل : ٢٢.