وهو الجهام أي السريع سيرا أقلها نفعا ، فكذلك العطاء بطيئه أكثر نفعا فكان تأخر عطائك أفضل من سرعته ، ولا يخفى أن البطء في السحاب خلاف البطء في العطاء ؛ لأنه فى السحاب في مسيره ، وفى العطاء فى عدم ظهوره في زمان انتظاره مع أن الأول يفيد أن الريث ، أى : البطء أنفع في بعض المواضع دون بعض ، والثاني يفيد أنه من الممدوح لا يكون إلا خيرا ، وهو آكد فى المدح وأما الأول فيشعر بأنه قد يكون من الممدوح خيرا ، وقد لا ، فحيث يستحي مثلا لتأخر العطاء حياء يوجب الزيادة يكون خيرا ، وحيث لا يكون مثلا كذلك لا يكون أنفع بخلاف البيت الثاني ، وقوله : هو الصنع ، الضمير للشأن ، أي : الشأن هو هذا ، وهو قوله : الصنع ، أي : الإحسان أن يعجل فخير ، وإن يرث أي يبطئ فقد يكون أنفع ، ويحتمل أن يكون عائدا على حاضر في الذهن يفسره الصنع ، والجملة بعده مستأنفة ، وعود الضمير على ما في الذهن صحيح ، إلا أنه تارة يتعين كما في قوله : " هو الهجر حتى ما يلم" ، أي : ما ينزل ، " خيال" من هذا الذي يهجرنا ، " وبعض صدود الزائرين وصال" أي : لم ننل ممن هجرنا حتى الصدود ؛ لأنا لا نلقاه لا يقظة ولا مناما ، والصدود قد يعد وصالا بالنسبة لمثل هذا الهجر ، وتارة لا يتعين كما في قوله : هو الصنع إن يعجل إلخ ، وإنما قلنا : يتعين في قوله هو الهجر ؛ لأنه لو جعلناه للشأن احتاج إلى جملة يخبر بها عنه ، ولا جملة كذلك في قوله هو الهجر إلخ ، ومثله (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا)(١) أي : إن الحياة إلا حياتنا الدنيا ، ولا يصح أن يكون الضمير للشأن هنا ، وهذا الإعراب ، أعنى جعل الضمير عائدا على حاضرة في الذهن لطيف لا يكاد يتنبه له إلا الأذهان الرائضة ، أي : المرتضاة بالإعراب من أئمة العربية ؛ لأن التفطن لحاضر ذهنا يلتئم الكلام فيه ، ويحسن بحيث يفيد الكلام معه فائدة البيان بعد الإجمال ، ويصح به المعنى مما يدق ، ولا ينتبه له كل أحد وهو حيث يتأتى الإعراب بضمير الشأن أفضل من الإعراب بالإضمار الشأني ؛ وذلك لأن ضمير الشأن خلاف الأصل ، لكونه ملازما للإفراد ، وملازما للإخبار بالجملة ، وكونه لازما للابتداء أو الناسخ فلا يعمل فيه غيرهما ، وكونه لا يتبع وعوده على ما بعده ، وفائدته
__________________
(١) الأنعام : ٢٩.