(و) إلى الرابع منها وهو اقتباس حديث في نظم بقوله ك (قول ابن عباد :
قال لي إن رقيبى |
سيء الخلق فداره) (١) |
أي : فدار الرقيب وهو فعل أمر من المداراة ، وهي الملاطفة أي : رقيبى قبيح الطبع غليظه فلاطفه لتنال معه المطلوب.
(قلت : دعني ، وجهك الجن |
ة حفت بالمكاره) |
اقتبس هذا من قوله صلىاللهعليهوسلم" حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات" (٢) أي : أحيطت كل منهما بما ذكر بمعنى أنه لا يوصل إلى الجنة حتى ترتكب دونها مشاق المجاهدة والتكاليف ، والنار تجلب إليها الشهوات ، فصارت لكونها توصل إليها بسبب حملها على المعصية ، وكونها سببا شرعيا سابقا لدخولها كالشيء المحيط بغيره فلا يوصل إليه إلا منه. ومراده أن من طلب جنة وجهك يتحمل مشاق الرقباء وإذا يتهم وغيرهم فلا يتوقف على المداراة والملاطفة ، كما أن من طلب جنة الآخرة يتحمل مشاق المجاهدة للقيام بالتكاليف.
(وهو) أي : الاقتباس من حيث هو (ضربان) أي : نوعان أحد الضربين (ما) أي : الاقتباس الذي (لم ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي) بل أريد به في كلام المقتبس بكسر الباء ذلك المعنى الأصلي بعينه (كما تقدم) في الأمثلة فإن قوله (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) أريد به ذلك المقدار من الزمان كما أريد في الأصل وقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ*) على معناه وكذا (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) و" شاهت الوجوه" أريد به قبح الوجوه وتغيرها ، كما أريد في الأصل ، وكذا" حفت الجنة بالمكاره" فإن المفهوم في الأصل والفرع واحد ، وإن كان المراد بمصدوق الفرع خلاف الأصل ؛ لأن الاختلاف في المصدوق لا عبرة به ، وإلا كان غالب الألفاظ مختلفا.
(و) الضرب الثاني (خلافه) أي : خلاف ما لم ينقل عن الأصل ؛ فالخلاف ما نقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي (كقوله :
__________________
(١) البيت لابن عباد ، أورده الطيبى فى التبيان (٢ / ٤٥٥) ، وشرح المرشدى.
(٢) رواه البخارى فى الفتن ، والأحكام ، ومسلم فى الإمارة وغيرهما.