كما سيذكره ، ما لم تحصل الملكة ، وإلى أن هذا العلم يدرك به ما أشرنا إليه من أحكام جزئياته.
أشار بقوله (يعرف به) ، أى يعرف بذلك العلم ، (إيراد المعنى الواحد) ، أى : كل معنى واحد يدخل تحت قصد المتكلم ، كما أشرنا إليه ؛ لأن اللام للاستغراق العرفى ، وخرج به إيراد المعانى المتعددة بطرق تتوزع على تلك المعانى ، مختلفة في الوضوح ؛ بأن يكون هذا الطريق مثلا فى معناه أوضح من الطريق الآخر فى معناه ، فلا تكون معرفة إيرادها كذلك من علم البيان ، وقد تقدم أن الحكم المعروف هنا إما الإيراد من حيث المناسبة لمقتضى الحال ، أو مجرد الإيراد بلا مناسبة ، (بطرق) أى : بتراكيب (مختلفة فى وضوح الدلالة) خرج به معرفة إيراد المعنى الواحد بتراكيب متماثلة فى الوضوح ، وذلك بأن يكون اختلافها فى ألفاظ مترادفة ؛ إذ التفاوت فى الوضوح لا يتصور فى الألفاظ المترادفة ؛ لأن الدلالة فيها وضعية على ما يأتى ـ إن شاء الله تعالى ـ فإن عرف وضعها تماثلت ، وإلا لم يعرف منها أو من بعضها شيء ، والتوقف فى تصور معنى بعضها ليس اختلافا فى الوضوح ؛ إذ لا وضوح قبل تذكر الوضع ومعرفته ضرورة أنه لا يدرك شيئا ، حتى يتذكر الوضع ، وبعد تذكره لا تفاوت ، وذلك كالتعبير عن الحيوان المعلوم بالأسد والغضنفر ، وما أشبه ذلك فى تراكيب ، والاختلاف فى الوضوح يقتضى أن بعضها أوضح دلالة من بعض مع وجود الوضوح فى الكل ، ومعلوم أن الواضح بالنسبة إلى الأوضح خفى ، فلا حاجة إلى أن يزاد بعد قوله فى الوضوح والخفاء مع أن إسقاط لفظ الخفاء فيه فائدة ، وهى الإيماء إلى أن الخفاء الحقيقى ، وهو الذى ينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق لا بد من انتفائه عن تلك الطرق ، وإلا كان فيما وجد فيه تعقيد معنوى ، وجعلنا الألف واللام فى الواحد للاستغراق إشارة إلى أن معرفة المتكلم إيراد معنى كقولنا : " زيد جواد" بطرق مختلفة ، ولو كانت له الملكة فى ذلك ، لا يكون بذلك عالما بعلم البيان. وتفسير العلم بالملكة أو القواعد تصوير ؛ لأنه لا يمكن الإيراد عادة لكل معنى إلا بالملكة أو تلك القواعد. فمثال إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى باب الكناية أن يقال فى وصف زيد مثلا بالجود : زيد مهزول الفصيل ، وزيد جبان الكلب ، وزيد