كثير الرماد ، فهذه التراكيب تفيد وصفه بالجود على طريق الكتابة ؛ لأن هزال الفصيل إنما يكون بإعطاء لبن أمه للأضياف ، وجبن الكلب لإلفه الإنسان الأجنبى بكثرة الواردين من الأضياف ، فلا يعادى أحدا أو لا يتجاسر عليه ، وهو معنى جبنه ، وكثرة الرماد من كثرة الإحراق للطبائخ من كثرة الأضياف ، وهى مختلفة وضوحا ، وكثرة الرماد أوضحها فيخاطب به عند المناسبة ، كأن يكون المخاطب لا يفهم بغير ذلك ، ومثال إيراده بطرق مختلفة فى باب الاستعارة أن يقال فى وصفه مثلا به أيضا" رأيت بحرا فى الدار" فى الاستعارة التحقيقية ، " وطم زيد بالإنعام جميع الأنام" فى الاستعارة بالكناية ؛ لأن الطموم وهو الغمر بالماء وصف البحر فدل على أنه أضمر تشبيهه بالبحر فى النفس ، وهو الاستعارة بالكناية على ما يأتى ولجة زيد تتلاطم أمواجها ؛ لأن اللجة والتلاطم للأمواج من لوازم البحر ، وذلك مما يدل على إضمار التشبيه فى النفس أيضا ، وأوضح هذه الطرق الأول ، وأخفاها الوسط ، ومثال إيراده فى باب التشبيه أن يقال : زيد كالبحر فى السخاء ، وزيد كالبحر ، وزيد بحر ؛ وأظهرها ما صرح فيه بالوجه وأخفاها ، وهو أو كدها ما حذف فيه الوجه والأداة معا ، فيخاطب بكل من هذه الأوجه فى هذه الأبواب بما يناسب المقام من الخفاء والوضوح ، ويعرف ذلك بهذا الفن ، ويأتى ما فيه ، ولا يضر فى التشبيه كونه حقيقة ؛ لأن الغرض فيه الإيماء بالتشبيه إلى الوجه ، والإيماء إلى معنى من المعانى لا يستلزم كون اللفظ مجازا ، والمصرح به فيه أوضح ؛ لأن الدلالة فيه تصريحية ، وصح إدخاله فى هذا الباب باعتبار ما لم يصرح به ، وها هنا بحث وهو أن ما ذكر من كون هذا الفن يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى الوضوح إن أريد به أن هذا الفن لما ذكرت فيه شروط المقبول من التشبيه والمجاز والكناية وحقيقة كل منهما وأقسامه كان فى ذلك تنبيه على فائدته ، وهو أن يطلب من تراكيب البلغاء واستعمالات العرب ما وقع ليقاس عليه غيره مما يراد استعماله ، ويعرف المقبول من ذلك من غيره ، فيصح للإنسان أن يحذو حذوهم وينسج على منوالهم ، فلا يقتضى أن هذا الفن يعرف به ما ذكر ، بل يقتضى أن معرفة هذا الفن ربما كانت سببا لتتبع تراكيب البلغاء الذى يحصل العلم بكيفية الإيراد ، إذ بممارسة ذلك