من الإذكار بقطع الهمزة ، وفاعله ضمير يعود على الوهم أي : ويذكرني الوهم (من قدها ومدامعي) مجرور ومعطوف عليه ، ومن فيها للابتداء يعنى أن منشأ إذكار الوهم إياي هو إحضار قدها وإحضار مدامعي أو حضورهما (مجر) مفعول ثان ليذكرني (عوالينا) أي : رءوس رماحنا (ومجرى السوابق) معطوف على مجر يعنى أنه إذا حضر قدها وحضر تتابع دموعي أذكرني الوهم بذلك الموضع الذي تجر فيه العوالي ، أو جرى العوالي والموضع الذي تجرى فيه سوابق الخيل أو جرى الخيل ؛ لأن قدها يشبه العوالي والرماح في التمايل والطول ؛ فتذكر به ، ودموعي تشبه في تتابعها وسرعتها سبق الخيل فيذكر بها ، فقد تضمن هذا البيت بما زيد على المضمن ، وهو شطر بيت المتنبي الذي هو مطلع قصيدته أعنى قوله :
تذكرت ما بين العذيب وبارق |
مجر عوالينا ومجرى السوابق |
التشبيه ، ولا يخفى أن الشطر الأول لما كانت نكتته التورية فقد نقل عن معناه الأصلي نظير ما تقدم في الاقتباس ، وأنه قد ينقل لغير معناه كما في قوله :
لقد أنزلت حاجاتي |
بواد غير ذي زرع |
بخلاف الشطر الثاني ، ومعنى بيت المتنبي أنه تذكر ما بين الموضعين ، أعنى : العذيب وبارق ، وهو أنهم كانوا نزولا هنالك ويجرون الخيل السوابق في ذلك المكان ، ويجرون العوالي على الأرض عند مطاردة الفرسان ومقابلة الأقران ، فنقله الشاعر مفرقا كما رأيت لنكتة فجاء أحسن من غيره ، وقد تقدم إعراب ما يحتاج إليه من بيتي المضمن ، وأما إعراب بيت المتنبي ففيه وجهان : أحدهما : أن يكون قوله : " ما بين" مفعول" تذكرت" على أن" ما" موصولة أي : تذكرت الذي بين العذيب وبارق ، وأبدل منه" مجر عوالينا" على أنه اسم مكان ، أو مصدر ، والآخر أن يكون قوله : " مجر عوالينا" منون ، " تذكرت" و" ما بين" ظرف بناء على أن ما زائدة إما لتذكرت ويكون التقدير تذكرت ، مجر العوالي ، وذلك التذكر وقع بين العذيب وبارق وإما للمجر على أنه مصدر وقدم عليه معموله الذي هو الظرف ؛ لأنه يتوسع في تقديم الظرف على عامله ،