فإنّ وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من حصول أشياء مشرقة بيض فى جوانب شيء مظلم أسود ، فهى غير موجودة فى المشبّه به إلا على طريق التخييل ، وذلك أنه لما كانت البدعة ـ وكل ما هو جهل ـ تجعل صاحبها كمن يمشى فى الظلمة ، فلا يهتدى للطريق ، ولا يأمن أن ينال مكروها شبّهت بها ، ولزم بطريق العكس : أن تشبه السنة ـ وكل ما هو علم ـ بالنور ، وشاع ذلك حتى تخيّل أن الثانى مما له بياض وإشراق ؛ نحو : (أتيتكم بالحنفيّة البيضاء) (١).
(١١٠) والأول على خلاف ذلك ؛ كقولك : شاهدت سواد الكفر من جبين فلان ؛ فصار تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع ، كتشبيهها ببياض الشّيب فى سواد الشباب ، أو بالأنوار مؤتلفة بين النبات الشديد الخضرة ؛ (١١٢) فعلم فساد جعله فى قول القائل : «النّحو فى الكلام كالملح فى الطعام» كون القليل مصلحا والكثير مفسدا ؛ لأن النحو لا يحتمل القلة والكثرة ؛ بخلاف الملح.
(١١٣) وهو إما غير خارج عن حقيقتهما ؛ كما فى تشبيه ثوب بآخر فى نوعهما ، أو جنسهما أو فصلهما. أو خارج صفة ؛ إما حقيقة ، وهى إما حسية كالكيفيات الجسمية مما يدرك بالبصر : من الألوان ، والأشكال ، والمقادير ، والحركات ، وما يتصل بها ، أو بالسمع من الأصوات الضعيفة ، والقوية ، والتى بين بين ، أو بالذّوق من الطعوم ، أو بالشمّ من الروائح ، أو باللمس من الحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، والخشونة والملاسة ، واللّين والصلابة ، والخفة والثقل ، وما يتصل بها ، أو عقلية ، كالكيفيات النفسانية : من الذكاء والعلم ، والغضب والحلم ، وسائر الغرائز. وإما إضافية ؛ كإزالة الحجاب فى تشبيه الحجة بالشمس.
(١٢٨) وأيضا (٢) : إما واحد ، أو بمنزلة الواحد ؛ لكونه مركّبا من متعدد ، وكلّ منهما حسى ، أو عقلى ، وإما متعدد كذلك ، أو مختلف :
__________________
(١) أخرجه أحمد بنحوه فى المسند ٥ / ٢٦٦ / ولفظه إنى لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكننى بعثت بالحنيفية السمحة وأورد الشيخ الألبانى نحوه فى الصحيحة ح (١٧٨٢).
(٢) أى وجه التشبيه.