(والإيراد المذكور) وهو إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة (لا يتأتى) ، أى : لا يمكن حصوله (فى) الدلالة (الوضعية) أى : التى سميت فيما تقدم وضعية ، وهى المطابقة ، وإنما لم يتأت فيها ، (لأن السامع) وهو الذى يعتبر بالنسبة إليه الخفاء والوضوح غالبا (إذا كان عالما بوضع الألفاظ) أى : جميع الألفاظ التى تستعمل فى التراكيب التى يخاطب بها لإفهامه معنى من المعانى ، وكان عالما بمدلول هيئة التركيب بناء على وضع هيئة التركيب (لم يكن بعضها) أى : إن كان السامع عارفا بما ذكر لم يكن بعض الألفاظ التى تستعمل فى ذلك المعنى وبعض الهيئات (أوضح) فى دلالته على ذلك المعنى من بعض ضرورة تساويها فى العلم بالوضع المقتضى لفهم المعنى عند سماع الموضوع ، وإذا تساوت فلا يتأتى الاختلاف فى دلالتها وضوحا وخفاء ، (وإلا) أى : وإن لم يكن عارفا بوضع جميع تلك الألفاظ وهيئاتها إما بأن لا يعلم شيئا منها أصلا ، أو يعلم البعض دون البعض (لم يكن) أى : إن لم يعلم الجميع ، لم يكن (كل واحد) من الألفاظ وهيئاتها (دالا) على ذلك المعنى ، وما انتفت دلالته على ذلك المعنى منها لا يوصف بخفاء الدلالة ، ولا بوضوحها ، كما لا يوصف بهما من ثبتت دلالته مع العلم بالوضع السابق ، وإنما قلنا : إن لم يكن عالما بالوضع لم يدل ما لم يعلم وضعه على شيء بالنسبة لذلك السامع لما علم بالضرورة من توقف وجود الدلالة الوضعية على العلم بالوضع ، فإذا انتفى العلم بالوضع انتفت مثلا إذا قيل : خد فلان يشبه الورد ، وفرضنا أن السامع يعلم هذه الهيئة ويعلم موضوعات ألفاظها الإفرادية ، فهم المعنى منها بتمامه ، وإذا بدل له كل لفظ بمرادفه والهيئة المعلومة له بحالها كأن يقال وجنته تماثل الورد وهو عالم بوضع كل رديف كالأول فهم المعنى أيضا بتمامه من غير حاجة لتأمل كما لم يحتج أولا وكذا إذا قلنا فلان يشبه البحر فى السخاء وبدلنا كل لفظ برديف مساو فى العلم بالوضع لم يختلف الفهم أيضا ، فلا خفاء ولا وضوح فى الدلالة بخلاف ما إذا دللنا على معنى الكرم مثلا بمستلزمه كفلان مهزول الفصيل وجبان الكلب وكثير الرماد ، فإنه يجوز أن يكون استلزام بعض هذه المعانى لمعنى الكرم أوضح من بعض ، فتختلف الدلالة فيها وضوحا وخفاء كما يأتى ـ إن شاء الله تعالى ـ فى الدلالة العقلية ،