وهو أن يكون اللفظ يفهم منه أهل العرف لزوما بين معناه وبين معنى آخر كلفظ الأسد ، فإن أهل العرف العام قاطبة يفهمون من معناه لازما هو الجراءة والشجاعة ، ولو كان لا لزوم عقلا بين تلك الجثة والجراءة ، وقد يمثل له كما قيل بالطنين فى الأذن فإنه يفهم منه أهل العرف أن صاحب ذلك الطنين قد ذكر ، فيجوز أن يقال : " إن لفلان طنينا فى أذنه" ليفهم منه أنه مذكور ، وكالخلجان فى العين فإنه يلزمه عرفا لقاء الحبيب ، وفيه شيء ؛ لأن عرف هذا الفاهم لا يسلم أو لا يخلو من خصوص وفهم من قوله اعتقاد المخاطب أن المعتبر فى تحقق اللزوم ما عند المخاطب من الربط لا ما عند المتكلم ، وهو كذلك ، وإلا فربما خلا الخطاب عن الفائدة ، (أو) بسبب إثبات (غيره) ، أى : غير العرف العام ذلك الربط ، ويدخل فى غير العرف الخاص كالشرع كما يقال مثلا بلغ الماء قلتين والقلة من الماء مقدار منه مخصوص ليفهم منه لازمه فى عرف الشرع ، وهو أنه لا يحتمل الخبث أى لا يقبل التنجس بقليل النجاسة ويدخل فيه اصطلاح أرباب الصناعات كإطلاق التسلسل ليفهم منه البطلان اللازم له فى عرف أهل صنعة الكلام ، ولو كان لا يستلزم البطلان مطلقا عند الحكماء ، وإنما يستلزم بشرط الترتب ، وأما وجوده معيا فلا ، ويدخل فيه الربط لاعتقاد المخاطب لخصوصه كأن تقول لمخاطب يعتقد أن فلانا يؤذيه سكنى هذا البلد : اسكن هذا البلد ؛ قصدا لإفهامه الأمر بإذاية فلان ، ونحو هذا كثير كما تقدم فيمن اعتقد أن خلجان العين يدل على لقاء الحبيب ، فإذا أردت إفهامه هذا المعنى قلت : تختلج عينك ، وكذا إذا كان يعتقد أن أكل كف اليد يستلزم قبض الدراهم مثلا فتقول له : تأكلك يدك غدا قصدا لإفهامه قبض الدراهم إلى غير ذلك ، ويحتمل أن يراد بالعرف مطلقه ، كما هو ظاهر العبارة الشامل للخاص والعام ، ويراد لغيره الربط الحاصل باعتقاد المخاطب الخاص به للزوم تقرره عنده ، ولو بقرائن الأحوال ، وذلك ظاهر ، ثم ظاهر ما تقرر هنا أن دلالة المجاز من باب دلالة الالتزام ، وقيل : إنها مطابقة ، ويأتى ـ إن شاء الله تعالى ـ تحقيق ذلك ، ولما بين أن هذا العلم به يعرف إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة ، وقد تقدم أن الدلالة اللفظية ثلاثة أقسام بين ما يتأتى به ذلك الإيراد من أقسام تلك الدلالات فقال :