ثلاثة أراد أن يبين وجه ترتيبها وضعا ووجه كونها ثلاثة فقال : (و) لما تبين أن الإيراد المذكور الذى هو مرجع هذا الفن إنما يتأتى بالدلالة العقلية المنحصرة هنا فى دلالة المجاز والكناية انحصر المقصود من هذا الفن فى المجاز والكناية فهما مستويان فى الوصف بالقصد ، ولكن (قدم المجاز عليها) أى : على الكناية وضعا ؛ (لأن معناه) أى : لأن معنى المجاز (كجزء معناه) أى : كجزء معنى الكناية ؛ وذلك لأن معنى المجاز على ما تقدم هو اللازم فقط من حيث ذاته لا من حيث الإشعار بوصفه باللزوم ، وقد تقدم التمثيل له بما نبين به ما ذكر ، ومعنى الكناية يجوز أن يكون هو اللازم والملزوم معا من حيث ذاتهما أيضا ، ولو كان القصد الأصلى فيها اللازم على ما قررنا آنفا ، وإذا كان معناه كالجزء من معناها ، فالجزء مقدم طبعا على الكل لتوقف الكل على الجزء فى الوجود ، بمعنى أنه لا يوجد الكل إلا مع وجود طبيعة الجزء لا على وجه التأثير كتوقف المعلول على العلة ، والجزء يجوز أن يوجد بدون الكل لصحة كونه أعم ، ولما توقف الكل على الجزء بالوجه المذكور حكم العقل بأن الجزء من شأنه أن يتقدم فى نفس الأمر على الكل ، وذلك هو معنى التقدم الطبيعى ، أى من جهة الذات ونفس الحقيقية التى هى الطبيعة لتركب الكل من حقيقة الجزء وطبيعته بخلاف تقدم العلة بلا تأثير ؛ فلا يسمى تقدمها طبيعيا بهذا الاعتبار ناسب أن يقدم وضعا محاكاة للطبع بالوضع ، ولم يقل معناه نفس جزء معناها جزما ؛ لأن الكناية لا يراد بها اللازم والملزوم على وجه الجزم ، وإنما المجزوم به فيها إرادة اللازم ، وأما الملزوم فيجوز أن يراد لا أنه أريد قطعا ؛ ولذلك قلنا : يجوز أن يكون معناها اللازم والملزوم معا ، ولم يعتبر وقوع هذا الجائز فى بعض الأحيان حتى يكون جزء حقيقة ؛ لأن الكناية من حيث هى كناية لا تقتضى إرادتهما ؛ فلم يعتبر ما يعرض من وقوع ذلك الجائز ، ثم أشار إلى وجه زيادة باب آخر ثالث وإلى وجه تقديمه على البابين ، فقال : (ثم) لما انحصر المقصود من هذا الفن فى بابا المجاز والكناية ، قد استحق المجاز التقديم وضعا لما ذكر ، وكان (منه) أى : من المجاز (ما يبنى على التشبيه) وهو الاستعارة بقسميها ، أعنى