جعل وجه الشبه بين العلم والحياة كون العلم إدراكا وكون الحياة معها إدراك فيكون الوجه على هذا داخلا فى حقيقة العلم ، فلا يتم بل لا يصح لوجهين أحدهما أن وجه الشبه لا بد أن يقوم بالطرفين معا والحال القائم بالعلم ، وهو كونه إدراكا لم يقم بالحياة ، وإنما وجد معها فى محل واحد ، والثانى أنه على تقدير التأويل وجعل المشترك فيه ملابسة الإدراك فى الجملة يكون المعنى أن العلم ملابس لمطلق الإدراك كما أن الحياة ملابسة لمطلق الإدراك فيكون التشبيه على هذا عديم الفائدة المقصودة ، وهى إظهار شرف العلم ؛ لأن وجود مطلق الإدراك لا شرف فيه قطعا ، إذ مطلق التمييز لا يمدح به جزما فإنا لو قلنا العلم كالإحساس فى مطلق الإدراك كان حطا لمرتبة العلم وغضا لمعناه ، وإنما قلنا : مقتضى التشبيه على هذا وجود مطلق الإدراك ؛ لأن الحياة إنما مقتضاها مطلق الإحساس ، فإن أريد ما يأتى من قبلها من حيث إنها شرط فيه وهو الإدراك التام عاد إلى الأول ، فإن قيل : فعلى الأول المختار يكون المعنى أن العلم الذى هو ملكة هو جهة الإدراك كالحياة فى كونها جهة له ، وليس فى ذلك ما يدل على الإدراك التام العام الذى يتحقق به الشرف. قلنا : المقام يقتضى قصر الإدراك العام التام والحياة جهة له ، فألحق بها العلم الذى هو الملكة ، فإن قيل : إلحاق العلم بالحياة فى ذلك إلحاق للأكمل بالأنقص ، فلا يفيد الغرض من مدحه ، بل العكس ، وبيانه أن الحياة شرط فى الإدراك ، والملكة سبب أو كالسبب المحصل له ؛ فالإدراك أقرب للعلم منه للحياة ، فالواجب أن يكون الوجه الانتفاع التام والشرف لا كون كل جهة إدراك ، قلنا : كون الحياة جهة الإدراك أشهر عند النفوس ؛ لأنها أشد ما يحتاج إليه فيه ؛ لأن بانتفائها ينعدم رأسا ، وبتلك الشهرة والحاجة إليها عدت أقوى من غيرها فى ملابسة الإدراك من جهة كونها جهة له ، وهذا أمر ذوقى ، والحق أن جعل الوجه حصول الآثار والانتفاع أولى. من هذا لا يقال : الآثار فى العالم أقوى ، والانتفاعات منه أكثر من مطلق الحى ، فيعود التشبيه معكوسا ؛ لأنا نقول : آثار الحى وانتفاعه أول ما يسبق إلى البديهة لعمومها وظهورها فى مقابلة الميت بخلاف العالم ففيها باعتباره خفاء ما ، وإن كانت فيه أتم باعتبار الحى