فعلى العاقل أن يحاسب نفسه على ما فات (١) من عمره ، ويستعدّ لعاقبة أمره ، ويتزوّد صالح العمل ، ولا يغترّ بالأمل ، فإنّ من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ، ويوقظنا لاتباع أوامره واجتناب نواهيه.
ولمّا مات «ذرّ الهمدانىّ» المذكور آنفا فى الوظيفة الرابعة عشرة (٢) ، لكن فى ذكره الأول اختصار ، وهذا الكلام أوسع ، فلا بأس بذكره ، وكان موته ـ أى : ذرّ ـ فجأة [فجاء](٣) أبوه فوجد أهل بيته يبكون حوله ، فقال : مالكم؟! فو الله ما ظلمناه ولا قهرناه ، ولا ذهب لنا بحقّ ، ولا أصابنا فيه ما أخطأ من كان قبلنا فى مثله.
فلما وضعه فى حفرته قال : رحمك الله يا بنىّ ، وجعل أجرى فيك لك ، والله ما بكيت عليك ، وإنما بكيت لك. فو الله لقد كنت بك بارّا ، وكنت لك محبّا ، وما بى إليك من وحشة ، وما بى إلى أحد غير الله من فاقة ، وما ذهبت لنا بعزّة ، وما أبقيت لنا من ذلّ ، وقد شغلنى الحزن لك عن الحزن عليك .. يا «ذرّ» ، لولا هول المطلع لتمنّيت ما صرت إليه (٤) .. فليت شعرى ، ما ذا لقيت؟ وما ذا قيل لك؟ ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنك وعدت الصّابرين على المصيبة ثوابك ورحمتك .. اللهم وقد وهبت ما جعلت لى من أجر على «ذرّ» له ، صلة منى له ، فلا تعرّفه قبيحا ، وتجاوز عنه ، فإنك رحيم بى وبه.
اللهم وقد وهبت له إساءته فهب لى إساءته إليك ، فإنك أجود منّى وأكرم ... اللهم إنك جعلت لك على «ذرّ» حقّا ، وجعلت لى عليه حقّا قرنته بحقّك ،
__________________
(١) فى «م» : «ما فرض» تصحيف.
(٢) فى «م» : «الرابعة عشر» خطأ ، سبق التعليق عليه.
(٣) ما بين المعقوفتين زيادة من عندنا لاستقامة السياق ، والمعنى.
(٤) فى «م» : «عليه».