وعن أبى الحسن علىّ بن أحمد بن محمد البغدادى قال : سمعت شعيب ابن الليث يقول : قدمت المدينة مع أبى لزيارة الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد انقضاء الحج ، فأهدى مالك بن أنس لأبى طبقا من تمر ، فأهدى إليه أبى ألف دينار ، وكانت حجته سنة ١٣٣ ه ، وسمع فى تلك السنة من نافع مولى ابن عمر (١) ، وقال : كان عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى يطلب بنى أمية ـ لمّا آل إليه الأمر ـ للقتل ، قال : فدخلت مصر فى حالة رثّة من جهة الملبس والحال ، ومعى هميان (٢) فيه مال على وسطى ، فدخلت إلى مجلس الليث وهو يحدّث ، فسمعت كلامه إلى أن قام من مجلسه ، فلما قام خرجت أنا ، فلمحنى الليث وتبعنى خادم وقال : اجلس حتى أخرج إليك ، فجلست ، فلما خرج ناولنى صرّة فيها مائة دينار وقال : يقول لك مولاى : أصلح بهذه حالك ولمّ شعثك. قال : فأخرجت الهميان من حزّتى (٣) وقلت : أنا فى غنى عنها ، ولكن أريد أن تستأذن لى على الشيخ. قال : فاستأذن ، فأذن لى ، فدخلت عليه ، فأخبرته أنّى لست محتاجا إلى مال ، واعتذرت إليه فى ردّها ، وأخبرته بما معى من المال ، فقال : هذه صلة وليست بصدقة. فقلت (٤) : أكره أن أعوّد نفسى عادة وأنا فى غنى عنها. فقال : ادفعها إلى بعض أصحاب الحديث ممّن تراه مستحقّا لها ، فلم يزل بى حتى أخذتها وفرّقتها على جماعة. فانظر إلى كرمه ـ رحمه الله ـ فى حال الضّيق والسّعة.
__________________
(١) هو : نافع المدنى ، أبو عبد الله ، من أئمة التابعين بالمدينة ، كان علّامة فى فقه الدين ، كثير الرواية للحديث ، ثقة ، لا يعرف له خطأ فى جميع ما رواه. وهو ديلمىّ الأصل ، مجهول النّسب ، أصابه عبد الله بن عمر صغيرا فى بعض مغازيه ، ونشأ فى المدينة. وأرسله عمر بن عبد العزيز إلى مصر ليعلم أهلها السّنن. وكانت وفاته سنة ١١٧ ه.
[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٨ ص ٥ و ٦ ، وطبقات الحفاظ ص ٤٧ ترجمة رقم ٩٠ ، ووفيات الأعيان ج ٥ ص ٣٦٧ و ٣٦٨ ، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٩٩ و ١٠٠ ، والمعارف لابن قتيبة ص ٤٦٠ و ٤٦١].
(٢) الهميان : كيس للنفقة يشدّ فى الوسط.
(٣) الحزّة : حجز السروال (الجيب).
(٤) فى «م» : «فقال» وما أثبتناه هو المناسب للسياق.