وروى عن عمرو بن العاص ، رضى الله عنه ، أنه كان يقول : يا أيها الناس ، ما أبعد هديكم من هدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم!! كان نبيكم صلّى الله عليه وسلم أزهد الناس فى الدنيا ، وأنتم أرغب الناس فى الدنيا .. وكان يقول : من عاتب رجلا بأكثر من عقله فقد ظلمه.
وروى عقبة قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول : «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص» .. وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا رأى الرّجل يتلجلج فى كلامه قال : خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد.
وفاة عمرو بن العاص ـ وقبره :
ولمّا حضرت عمرو بن العاص الوفاة دمعت عيناه ، فقال له ولده عبد الله : يا أبت ، أجزع من الموت يحملك على هذا؟! قال : لا ، ولكن ممّا بعد الموت .. وذكر له عبد الله مواطنه التى كانت مع رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، والفتوح التى كانت بالشام ، فلما فرغ عبد الله من ذلك ، قال : قد كنت على طباق (١) ثلاثة ، لو متّ على بعضها علمت ما تقول .. بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم وكنت أكره الناس لما جاء به ، أتمنّى لو أنى قتلته (٢) ، فلو متّ على ذلك لقال النّاس مات عمرو مشركا (٣) ، عدوّا لله ورسوله ، من أهل النار ، ثم قذف الله الإسلام فى قلبى ، فأتيت رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، فبسط إليّ يده يبايعنى ، فقبضت يدى (٤) ثم قلت : أبايعك على أن يغفر لى ما تقدم من ذنبى ، وأنا أظن حينئذ أنّى لا أحدث حدثا فى الإسلام. [فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : إنّ الإسلام](٥)
__________________
(١) طباق : أحوال .. وفى طبقات ابن سعد ج ٤ ص ٢٥٨ : «كنت على أطباق ثلاث» وهى بمعناها ، والحال تذكّر وتؤنّث.
(٢) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «وكنت أكره الناس إليه [الصواب : له] فلو أنى قللته ..» والأخيرة تصحيف من الناسخ.
(٣) فى «م» : «مشكرا» ، تصحيف.
(٤) فى «م» : «يده» ، تصحيف.
(٥) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».