فصل
فيمن أجيزت وصيته بعد مماته
لمّا كان يوم اليمامة (١) خرج ثابت بن قيس (٢) مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة (٣) ، فلما لقوا العدوّ وانكشفوا ، قال ثابت وسالم مولى أبى حذيفة :
__________________
(١) فى «م» و «ص» : «يوم القيامة» تصحيف من الناسخ.
(٢) هو ثابت بن قيس بن شمّاس الخزرجىّ الأنصارى ، صحابىّ كان خطيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، شهد أحدا وما بعدها من المشاهد .. وعن أنس بن مالك ، أن رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم ، افتقد ثابت بن قيس ، فقال : «من يعلم لى علمه؟ فقال رجل : أنا يا رسول الله ، فذهب فوجده فى منزله منكّسا رأسه. فقال : ما شأنك؟ قال : شرّ ، كنت أرفع صوتى فوق صوت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فقد حبط عملى ، وأنا من أهل النار! فرجع الرجل إلى رسول الله فأعلمه ـ فرجع إليه ببشارة عظيمة ـ فقال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم للرجل : اذهب فقل له : لست من أهل النار ، ولكنك من أهل الجنة».
واستشهد ثابت يوم اليمامة فى خلافة أبى بكر الصّدّيق سنة ١٢ ه.
[انظر الأعلام ج ٢ ص ٩٨ ، وأسد الغابة ج ١ ص ٢٧٥ و ٢٧٦].
(٣) فى «م» : «مسلمة». وفى «ص» : «مسيلة» وكلاهما تحريف.
وهو مسيلمة الكذّاب ابن ثمامة بن حبيب الحنفى الوائلى ، متنبّئ ولد ونشأ باليمامة ، وهو من المعمرين. ويضرب بكذبه المثل فيقال : «أكذب من مسيلمة». وقد جاء فى وفد من بنى حنيفة فأسلموا ـ وذلك بعد فتح مكة ـ ولما رجعوا إلى ديارهم كتب مسيلمة إلى النبي صلّى الله عليه وسلم : «من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك ، أمّا بعد ، فإنى قد أشركت فى الأمر معك ، وإنّ لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ، ولكنّ قريشا قوم يعتدون» .. فأجابه : «بسم الله الرّحمن الرّحيم : من محمد رسول الله ، إلى مسيلمة الكذاب ، السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين». وكان ذلك فى أواخر سنة ١٠ ه ، وتوفى النبي صلّى الله عليه وسلم قبل القضاء على فتنته ، فلما انتظم الأمر لأبى بكر انتدب له أعظم قواده «خالد بن الوليد» على رأس جيش قوى ، هاجم ديار بنى حنيفة ، وصمد هؤلاء ، فكانت عدّة من استشهد من المسلمين ـ على قلّتهم فى ذلك الحين ـ ألفا ومائتى رجل ، منهم أربعمائة وخمسون صحابيّا .. وانتهت المعركة بظفر المسلمين ومقتل مسيلمة سنة ١٢ ه .. ولا تزال إلى اليوم آثار قبور الشهداء من الصحابة ظاهرة فى قرية «الجبيلة» بقرب «العيينة»